السبت، أكتوبر 06، 2012

مغامرة الهوية من الثقافة الكونية الى توبة الثقافات


(قراءة في رواية "تبادل الهزء بين رجل وماضيه" لمحمود ياسين)


محمد الهيصمي

لم تكن قصيدة أغنية حب الفرد جي بروفروك , و ربما صاحبها ليريا الضوء لولا الحس العالي الشفرة و الحدس النافذ البصيرة لدى ازرا باوند الذي زكاها للنشر بعد أن رفضتها كل الصحف والمجلات. كما أن الأرض الخراب , ما كانت لتعبر الى العالم ثم نوبل 1948م الا عبر شروحات صاحبها والتي ذيلت آخر القصيدة , يدا بيد مع شفرة حس باوند كما هو معروف. ذلك أن حقبة كانت تتخلق حينها وأن أدبا بملامح مغايرة كان يبحث عن مصير . والشاهد هنا , أن في حالات كتلك , يبدو أن من الصعب على النقد أن يتجاوز مهارات باوند , على بساطتها , أي أن كل أدب جديد يحتاج لأن يمثل ظاهرة بحجم جيل مثلا أو مشروع فردي ضخم وفريد بحجم جيل , بحيث يسهل لنقد مواكب أن يتمظهر الى جواره. كنت أعلم فعلا أن أوراقي هذه ستنتهي الى تراجيديا متحولة من تناول منهجي موضوعي الى ما يشبه ملخص ترافع دفاع عن النقد ومناهجه وأدواته , ليس لأني مضيع أي منها , وإنما لأن قناعتي دوما بأن لا ميتالغة تسبق اللغة على الإطلاق , و كان من الجلي لدي تماما منذ البداية أن النص الذي سأتناوله هو نص مرحلي , إن لم يكن على المستوى العربي فالمحلي على الأقل. فرواية وحيدة بجرأة تبادل الهزء , وفرادتها قد تحرجك وتنال حتى من ثقتك بمناهجك ومنظومتك القرائية كاملة. غير أني سأوحاول قدر استطاعتي أن أكون حذرا بحيث تظل هذه القراءة متوازنة وسأجهد لأن تظهر بوجه علمي محتفظة بأعلى مستوى من المنهجية والموضوعية . ليس لأني هنا بقامة باوند وإنما لأن صاحب الرواية بقامة اليوت , برأيي الشخصي على الأقل.

كان أول انطباع لي عن رواية رجل بين الهزء وماضيه , بعد قراءة وحيدة أنها (على المستوى المحلي) ستتحول إلى إرث قومي مستقبلا , لا يقل عن شعر البردوني أو موسيقى الآنسي . مقوسا وبخط , (على المستوى المحلي) حيث كانت لي تحفظات تتعلق بالمحلية والإسراف فيها , الأمر الذي بدى لي حينها تجاهلا للقارئ الغير يمني (عربي) ناهيك عن مصادرة شبه كلية لحق القارئ العالمي . غير أني أقرهنا والآن بأني تراجعت عن كثير مما كتبته يومها في رسالة الى الأستاذ محمود ياسين , الذي أبدى تقبلا غير عاديا لملاحظاتي , بل واعتبر ذلك عربونا لمشروع دراسة متكاملة شرفني كثيرا بقبولها , وليته لم يفعل للأسباب التي أوضحت لكم. فحتى ما بدى لي تضحية بالقارئ العالمي والأقليمي على مذبح نهم القارئ المحلي , لم يكن إلا حالة من تمكن ومغامرة تخدم ليس النص وحده بل وقضية النص نفسها كما سيأتي.
وما دمنا تحدثنا عن المناهج والنقد ,وعن التجريب وبواكير الحقب والنص المرحلي , فإن لجوئي الى كل ما كتبه المؤلف سابقا ومداومتي على زيارة مدونته ومطالعة صفحته على الفيس بوك ومراجعة كل ما كتب فيه و حول كتاباته , يبدو كل ذلك مبرر الآن , ذلك أن حالة كالتي بين يدينا ربما لا يسعف متعاطيها الا اعتماد منهج كلي وشامل , فيما يشبه الأسلوبية البراجماتية , ولكن على نطاق نظري واسع يصل بنا حد البراجماتية في النقد , وربما يؤسس لنقد براجماتي , ولم لا.
عليه , ولأنه نص مرحلي وحيد ويتيم , فإنه ول ريب يحتاج الى خطابات مصاحبة أخرى داعمة أو شارحة أو حتى مُقارنَة ولو من صاحب النص نفسه. والمدهش حقا , أن المؤلف هنا كان مدركا لهذه الجزئية بوعي ودراية مربكين فعلا غير أنه فضل أن يسلط عليها الضوء بفنية عالية حد الإحتراف , محاصرا إياها في زاوية صعبة بحيث تظهر كمركب ببعدين.
وعلى السبيل نفسه , من المعروف , أن تحليل البنى دون الإحالة الى دلالات مقترحة , أصبح اجراءا لغوي ( نحوي) , أكثر منه نقدي . بمعنى أن الأسلوبية التوصيفية descriptive stylistics , والتي تشتغل على تحليل الأسلوب منغلقة على البنى والبنى فقط , ولا تصعد الى مستوى التقنيات , لم تلق جدوى في تسويقها النقدي , بل وتحولت تماما الى أداة قياس واسقاط بأيدي علماء اللغات . هذا ما يتعلق بالأسلوبية التوصيفية عند أصحابها , أما التي هنا , عربيا أو حتى محليا , وتوضع عادة كـــ ( بلكة ) يسترقي بها البعض للنيل من تقنيات وعناصر النص هي بالأصل فوق لغوية paralinguistic .. هذا النوع من( التقطاع ) النقدي ليس منهجا بالأصل , ولا يشبه برأيي إلا (شريم بيد عمياء). اقول هذا لما تنامى الى مسامعي بأن البعض ممن يحترفون هذه الطريقة في الصيد في أنواع محددة من المياه العكرة , قد أدعوا بأن خللا سرديا قد نجم في الرواية عن (هشكة) ,حسب وصفهم , في صوت الراوي المتعدد. والواضح أن طموح هؤلاء لم يتجاوز البقاء هامشا على متن ميتالغة الخطاب قيد التحليل .. أي تصيد أخطاء و (سبرت مرة وحمار ..).
الرواية أولا لا تخضع لتيارات وعي ولا اعتمدت دوران أو لولبة للزمن , وهو ما يصاحب عادة تعدد صوت الراوي , ويتطلب شعرية عالية ورشاقة في الإنتقال. العزي مادام هو هو صاحب الصوت فليس هناك تعدد أصوات .. هناك نقلة واحدة في صوت الراوي لا تخرج عن تبادل الهزء بين الراوي والراوية , أي العزي , والمؤلف نفسه , فهو ليس حتى تناوب على أحداث بين صوتي روي داخلي وخارجي , حيث أن العزي ( الراوي الداخلي ) كان هو فقط من يسرد الأحداث , واختص المؤلف ( الراوي الخارجي) بتعليقات ومنولوجات تتجاوز الفضاء السردي للأحداث وإن كانت تواكبها وتربط بينها , غير أنها تصل بصاحبها حد الخروج من دوائر الخطاب نفسه , لتظهر كأنها ميتالغة عليه . ولذا فلا يمكننا اعتبار ذلك متوازية parallelism كما هو الحال في تعددية الأصوات , وانما انزياح من الدرجة الثالثة يجرب حاليا في الرواية الأوروبية بالذات , لا سيما عند ميلان كونديرا.

أذكر فيما أذكر مما كتبته للمؤلف في تلك الرسالة (ليس لي أنا وحدي على الأقل , مع جمهورك العالمي القادم في أعمال قادمة , سوى سؤالك التالي – والذي تركته مفتوحا , بكل وعي ودراية مخيفتين , كتبرير لهذه الجدلية ذاتها , و لا أعتقد أن العزي لا يملك الجرأة الكافية لفك شفرتها , على المدى القريب جدا............... نحن !!.. من نكون ؟؟.. والآخرون ..؟؟؟
لم يقل كونديرا أو يشير من قريب أو من بعيد لفكرة اللهجة الدارجة التشيكية وعلاقتها بالمنتج الروائي التشيكي. فكرة هذه المادة لا علاقة لها بأن كونديرا لا يدري خصوصيتنا، أو أن هذا تبرم من وصايا من خبروا منابع الرواية. كل ما هنالك أنه ما من وصية من وصايا الكبار تساندك في اكتشاف أن نمط الحياة اليمنية يمكنه أن يكون روائياً بحال. فكرة العودة إلى الجذور والكتابة فيها قد تم تداولها بشكل أصبح من المتعذر معه تكرار التجربة أو محاكاتها. لنجرب مثلاً أن كاتباً يعود من صنعاء إلى قريته ويحاول استعادة نساء الماضي ليبدو أن إحداهن عادت للتو من موسم الحج وأخرى توجه به بيدين معروقتين وكيف أنه تجول في «مواقع الطفولة» دون أن يجد طريقة للتخلص من كلمة واقع. ما الذي سيكون مدهشاً في مثقف يحاول من قريته أن يكون روائياً أثناء صيرته بين أن يشفق على نساء الماضي والأيدي المعروقة أو أن يشفق على نفسه. مع التأكيد على أنه كان في تلك الأثناء لا ينفك يفكر في واقعية ماركيز السحرية وتحويل كل الذي تم سرده في القرية إلى سردية طويلة في رواية متضمنة لحكايا الجنيات والفضائح الأخلاقية التي أخذت شكل حكايات عن نساء تحولن إلى أشباح أيام لم يكن الدين قد أصبح على هذا النحو من التدخل. لا نزال في مثال «محاولة إنجاز رواية العودة إلى الجذور» لتجذب مثلاً القبول بأهمية أن هذا العائد يسرد أيضاً رواية كيف أن يكتب رواية، فهل يكفي أن يستمر هذا الأمر برعاية من دهشة أن يتلاعب هذا الروائي المزعوم بمصائر الحاج فلان وأم محمد، ويوزع مقادير الفضيلة وتهديدات المصير وفقاً لحاجته هو للمكافأة والانتقام؟ وعلى افتراض أنه اقترح «الأمرين» للاسم المتداول في ريف اليمن، اقترح لها أطفالاً بعيون زرقاء وخريف عمه مشمول بالتكريم. مع إضافة أسباب وجيهة لأن يمتلئ جسد أمرية وتصبح في بداية الخمسينيات ويديها غير معروقتين. يكتشف الروائي المفترس هذا أن كل الذي يقوم به هو انتزاع مشاهد من أفلام ومن روايات وأن هذا غير كاف «بتحسين ظروف ضريف أمرية»، ليس كافياً لأن يدهش قارئاً مهماً بحجم كونديرا. يبدو العالم الروائي مليئاً أكثر من نمط حياتنا، بأشياء لا تستطيع ذاكرة القارئ اليمني تجاوزها. أين يذهب ذهن أي منا بكل تلك التفاصيل في غرف وممرات الروايات. أجهزة البيانو والياقات واللوحات، ناهيك عن السيدات وقبعاتهن. وكيف يمكن يمننة ليالي الملذات ومآسي الحروب؟ يمكن اقتراح أن أشكال الحياة البدائية وأكثرها ضرباً في عمق الفعل للإنسان الأقل تقصيراً كما في أفريقيا مثلاً، قد تحولت إلى روايات صنفت على أنها عالمية. غير أن ذلك النمط من الحياة هو متداول أصلاً، وذهن العالم يفهمه ويمجده أحياناً كثيرة، ويدرك إلى أي مدى هو تلقائي ومنسجم والأمر هنا في حاجة مشروع مقترح روائي يمني لقارئ أولاً، وبالتالي لذاكرة روائية لم تقرأ شيئاً عن الغرف والأجهزة الموسيقية وفظائع الحروب، ولم تقرأ عن الواقعية السحرية أو أن تتورط مثلاً في دليل من نوع أن نتاج أمريكا اللاتينية، سرد حياة أمريكا اللاتينية بدون هذا الكم من الغرف واللوحات والقبعات المتطايرة من روايات أوروبا التي تعرَّف العالم من خلالها على فضيلة الرواية.

سؤال الهوية ... أنا والآخر في سياق حوارات العصر الثقافية والحضارية .. ولنكون أكثر بساطة , الرواية بدت لي ولا تزال : قصة هوية , العربي(اليمني) في حواره مع الآخر اللاعربي عموما والغربي خصوصا , أو حتى اليمني ( العربي ) في حواره مع الآخر العربي واللاعربي .
قد تكون هذه هي الدلالة الافتراضية , ولكنها ابعد نقطة قد أصلها ( الآن) في تعميمي المبدأي هذا , لأن أي تجرؤ للخوض اعمق وابعد من ذلك , في محاولة لمكاشفة هذا التعميم , يبدو مغامرة حقيقية , لن تحمل النص الا فوق طاقته , ولن يضيف لهذا التحليل على تواضعه سوى خطر آخر يتهدد مصداقيته و منهجيته , خاصة أن كاتب الرواية نفسه اختار بالضبط أن يحصر السؤال في هذه الحدود , بحيث تنغلق الرواية مفتوحة على كل الاحتمالات وفي مهب لكل التأويلات والقراءات .
هذه المهيمنة , تُشتغل في النص عبر مصفوفة من متوازيات و انزياحات واجراءات سردية متعددة ومتنوعة , غير أن أهمها, وفقا للدلالة المفترضة أعلاه ,كما يلي :
• متوازية مركبة متعددة المحاور والمستويات تمثلت في
• تكرار حضور الغربي / اللاعربي ( الآخر ) وبإلحاح على امتداد النص وعلى ثلاثة محاور ( واقعا ملموسا , ثقافيا , خطابا ) .
• تلازم هذا الحضور او اقترانه بحضور موازي للــ ( أنا ) .. واقع محلي .. على نفس المحاور الثلاثة فإما أن يكون هذا الأنا شريكا مباشرا للآخر في حدث على الواقع( السائحة المختطفة وكذا الطبيبات الروس أيام الدراسة الثانوية ) أو متلق / مستهلك لثقافة الآخر ( الفندق وأفلام قناة فرنسا وكذا السنما ) أو معلقا مباشرا و متداخلا خطابيا ليس حول خطابه هو فقط وانما علاقة ذلك بالآخر و علاقة خطاب الآخر به و بخطابه , وكذا مداخلاته المتنوعة حول فن الآخر و حضارته وفلسفته.
• الجنس , كرمز للتواصل الإنساني وحسب , بمعنى أنه لم يكن لمكاشفات سيكولوجية او اجتماعية مثلا , ولا هو ( استمناء كتابي) , أو مغامرة تثاقف , فقط رمز .. ورغم أن هذا على المستوى العربي والعالمي , إن لم يظهر كسطحية من الناقد فهزال وابتذال من الراوي , غير انه بعد اضافة خصوصيات من الواقع المحلي للمسألة بأكملها , ينقلب هذا الإجراء الى تجريب غير مسبوق في تقنيات السرد مصوب مباشرة الى الذات كنقد , والى الآخر كتحدٍ واستعراض في وعي النخب والمتخصصين على الأقل . بمعنى , وكما تشير كتابات أخرى للمؤلف نفسه وغيره من معاصريه من بني جلدته , من أن اليمني (الذكر)لا يحسن الحوار مع الجنس الآخر إلا رمزا عبر الجنس , وأن علاقة اليمني بالمرأة , بوصفهم تكاد تنحصر (بين الأرجل) , وعليه فإن الجنس في الرواية بعد اضافة هذا البعد , ليس توضيفا رمزيا ساذجا وحسب , وإنما مصحوب بغرائبية واقع سحري موغل في المحلية من جهة و ممعن في الخصوصية الإنسانية من جهة أخرى , وهو ما أجده أنا تجريب رائد ( واضطراري ) في الواقعية السحرية .. أي ليس تجريب لذات التجريب , وإنما متعالق مباشرة مع انزياحات أخرى بحيث يعزز موقف النص في محاولته تقديم تشريحا للهوية التي على الآخر التعاطي معها كما سيأتي.
• انزياحات ذات صلة مباشرة :
• الفاظ عامية وحوارات باللهجة المحلية مفرطة في الغموض تكاد تلتبس حتى على القارئ المحلي .
• بالتوازي مع الحاح في ذكر اسماء و كلمات بلغات اجنبية من الواضح عفوية التعامل معها على مستوى النطق , أي أنها تنطق بطريقة غير سليمة .( بعدي يا شوحطة. لا يدري العزي شيئاً عن «سر الفقدان»، اللعبة القذرة ذاتها، ما إن يولد العزي حتى يبدأ مفاوضات شاقة مع الموت. ها هو راعي البقر الأمريكي يقفز من إعلان المارلبورو مقترحاً مبارزة فيلم للأجدر باحتلال عزي يشترط الجسارة. هكذا تومض الهويات المتطفلة دائماً.)
• انتقال متناوب في صوت الروي , من داخلي الى خارجي كما سبق بالتوازي مع (1) من انزياحات ذات صلة غير مباشرة
• انزياحات ذات صلة غير مباشرة:
• التناوب بين صفحات من حوارات موغلة في العامية وألفاظ وملامح محلية وبلغة تكاد تنحرف بالنص عن مسارة أحيانا تصل حد الإسفاف الممعن أو التسخيف , و أخرى بالفصحى وعلى مستوى عالي من النظرية والفكر تصل حد العالمية.
• اضاعة متعمدة لخيوط القصة , مصحوب بتوهان سردي ممعن , يكاد يتحول الى تيارات وعي , وفي مشهدين لا غير : ( حادثة سرقة القات ) حيث نصادف ما يشبه الهروب من تفاصيل الحادثة , أو قفز عليها , أو ببساطة فجوة سردية لا تستحق مجازفة بهذا الحجم , أقصد أن هناك مشاهد أخرى أكثر تعقيدا وأحلك وأصعب بناءا و خلفية وتبعات , مر عليها الكاتب بكل يسر وتمكن . ثم مشهد ( اغتصاب أمرية ) الذي بالفعل يستحق الزوغان والمجازفة بالقفز عليه لحساسيته وخصوصيته الإجتماعيين, غير أن الكاتب يستبقي منه الفاظا بلا دلالة , مع ملاحظة أن المشهد الذي تلاه بنفس الحدث , أي الذي يدخل به العزي عند أمرية ويمارس معها الجنس في المطبخ لم يستغني حتى عن أدق التفاصيل( سروال أمرية على الصعد ) , ولم نلحظ ذلك القفز أو الفجوة السردية .. والخلاصة أن هاتين الفجوتين السرديتين هما , بالأضافة الى تمثل سيكولغوي للحدث , يقدم به الكاتب طبيعة الحالة النفسية بكل تفاصيلها فيما يشبه الجشتالتوثيرابوتيك , أو كتابة الصمت .. ربما يجدر بنا تبسيط المسألة أكثر قليلا .. لم يقل العزي أو الراوي أنه زاغ بصره , وفقد أحساسه بالعالم وهو يتبادل اطلاق النار مع بن مانع وقت سرقة القات , الأمر الذي يتعرض له أي انسان يقدم على تجربة كتلك .. لم يقل ذلك وإنما تمثل الحالة لغة , وبالمثل حادثة الإغتصاب التي فضل أن يحتفظ منها بألفاظ لا دلالة لها ,كان بإمكانه اختيار غيرها (تعالي يا وسخة «حطوقات» في فارات «فارات» عليه مثل شجرة أرهقها الانتظار) .. في تجربة كتلك قد لا يبقى بالفعل من الجنس إلا لا اعطباتية اللغة .. هذا جانب , من جوانب متعددة تتآزر في كل صغيرة وكبيرة من النص , وسك اعصار بانورامي مخيف , وتفكك لغوي مغرق في التكثيف , صوب موقف واحد , وتحت اطار واحد , لم تسعفنا قدراتنا القراءية بعد على التواصل معه .. المهم في هذه النقطة بالذات , أن كل ما سبق , وبمساقات تتوازى مع التأويل المفترض أول هذه الورقة , هو و بالأضافة الى كل ما قيل , حالة من انزياح , تخدم الرؤية المتبناة في هذه القراءة , كما سيأتي تفصيل ذلك .

وللتنبيه والأمانة العلمية مرة أخرى , أؤكد أن ما عدد أعلاه , كان وفقا لانتقائية مفرطة , نظرا للنسيج المتداخل والمخيف للنص , والذي يقوم على أساس ممعن في التركيب حد التعقيد , الذي و رغم أنه متماسك على كل المستويات مستعرضا على المستوى اللغوي , كتلة هائلة من الرصانة الإشارية أو التماسك الإيحائي بتوصيف ماكاروفيسكي , غير أنه لا يؤسس إلا لخيبة هرمونتيكية متكررة يصطدم بها القارئ كلما تقدم في القراءة , وتظل تصدمه بانهدام وتفكيك دلالي لا ينفصمان حتى تنتهي الرواية , وهو ما سيتم التعرض له في آخر هذه الأوراق , في جزئية النص وما بعد النص.

مالذي يمكن أن نخلص به من كل ذلك
يبدو من الواضح الآن , الآلية التي يمكننا بها نسبة تلك الشواهد البنيوية الى التأويل المفترض, بغية فك ما تيسر من طلاسم النص :
تبدأ الرواية إقرار الراوي بفشل يتعرض له , ثم يمضي في تفصيل ملامح هذا الفشل , من مأساوية الحال وهزء الواقع ( ظراط جاره عامل الطلاء) ,( عراك مع صاحب السكن) , وغيره الى أن يصل بنا الى ذروة هذا الفشل ,وهو فشل (ثقافوفلسفي) , لخصه ليس في المحاضرة التي كان يلقيها في الندوة , وإنما بما تبع ذلك من مفارقة غير منطقية , يظهر فيها العزي , على وسع وثراء ما عنده, (عاشق في وطن مفلس بوصف أحمد طارش خرصان) .. أي عجزه عن (التواصل الإنساني) مرمزا بالجنس , ليس مع العالم , أو حتى بني جلدته , وإنما الخواص من نخب أمته , مرموزا لهم بالأديبة أو الكاتبة هدى (ويبقى هناك منفياً، وحاسداً. دمغته بنت الإغريق بعذابات العالم ومذلاته، يجوب الروايات باحثاً فيها عن تعريفات إبداعية ملائمة لذوق هدى ورأيها فيه، ابتداءً من «كلب مضطهد أعمى» مروراً بمسخ الدكتور فرنكشتاين وليالي الملقى هناك حاسداً ومنفياً، وعندما حاول في ذروة مازوخيته أن يكون «أحدب نوتردام» كانت هدى جميلة ومسيجة ليست بحاجة لشجاعة أحدب يذود عنها ببشاعته النبيلة.)
يصدمنا الكاتب مع بدايات القصة بمزاج حائرلفصامي مضطرب, ليكشف عن صراع مستبطن , بين (ماض) ضارب في الأعماق , وواقع جل ما فيه (هزء) .. غير أن هذا الموقف لم يقدم كمادة مبسطة مسطحة كما في الكلاسيكيات عن بطل تراجيدي يقف بين الخير والشر , وإنما موقف وجودي , تبناه الكاتب بكل وعي , لم يكتف بتجريبه على غرار الكثير من الكتابات العالمية والعربية , ولا اكتفى حتى افتراضا في النص بتجريب كل الخيارات الممكنة التي افترضها كامو بمواجهة اللامعقول , حيث أنه بعودته الى قريته مر عبرها كلها , أو قدم توليفة متكاملة من الثلاثة الإحتمالات , لم يكتف بذلك وحسب , وإنما حمل القارئ معه الى ما بعد النص , عندما ختم روايته بنهاية مفتوحة ليس على المستوى الدلالي الثيماتيكي الذي حمّله القارئ , وإنما على المستوى الرسمي , بمعنى أن الخاتمة تستفز المؤسسة التي على عاتقها التعاطي مع النص وايصاله للقاريء , أي دور النشر التي وضعت خاتمة كتلك كل مهنيتها في المحك , بل وقلصت كثيرا خياراتها في رفض النص , وكأنه كان استشرافا من الكاتب لما سيتعرض له نصه من بعض دور النشر .
الصادم من الواقع الذي يتعرض له العزي ربما تمثل بوضوح في شخصيات الصحافيين الآخرين الذين يتحدث عن نجاحاتهم على كل الصعد , وأهمها بالطبع ( التواصل ) , وليس يحتاج موقف كهذا الى توضيح من نوع هزيمة المثل أمام مادية العصر , ولكن يمكننا الاحتفاظ بحق ربط هذه الموتيف بالتأويل المفترض في هذه القراءة بالقول:
صدمة انسان من نخب الشرق( العربي اليمني) بلا جدوى الحوار مع الآخر , عبر ما يفترضه الآخر مسلمة في التعاطي معه , حيث أن ما يسوقه هذا الأخير نظريا شيء , وفقا لكشوفات العزي , في محاضرته , وكذا الكاتب في مداخلاته , وما يجده كلاهما على أرض الواقع شئ آخر. يصل هذا الكشف ذروته تحت نفس الإطار الهرمونتيكي في حادثة حريق المقر , الذي تحول به الجاني الى منقذ , ليس بفعل من أحد سوى المجتمع نفسه . بمعنى أن لو كان العزي يرفض المضي في لعب الدور الذي اختاره له المجتمع على خطأه , لكان نموذجا ليس للفشل الاجتماعي المفترض في القصة وانما لكان نجاح النص نفسه بالمحك .. أي أحداث كان يمكن أن يكتمل بها المشوار السردي في تأملات كاتب فاشل خلف القضبان , مقارنة بتجربة اخنطاف سائحة وكل ما صاحب ذلك . ربما نعترض جميعا على نوايا العزي قبل الحادثة , لكني لا أعتقد أن قارئا واحدا سيعترض على أداء العزي بعدها .
هذا الموقف الجديد , ينكشف أكثر في القرية , عندما يبدأ العزي يستغل اشاعة تواجده الى جوار جار الله عمر ساعة اغتياله.
بعد هذا الكشف المخيف , وبعد معزز من جدوى نجاح انتحار فلسفي ممكن , تمثل في نجاح ولو نسبي بقدرات العزي على التواصل مع السائحة , الأمر الذي دفع به صوب قناعات أبعد بكثير , لم يطلعنا عليها , ولكنها كانت بينة في قراره العودة الى القرية , وهو ما لا يحتاج الى توضيح لأبعاده أو الدلالات المحتملة من موقف (العودة) , إلا في ظروف ممعنة كالتي يتعرض لها العزي هنا .
هذه العودة يحوم حولها الراوي , في حالة من تردد أو لا يقين , بين توبة ثقافية أو انتحار وجودي من نوع لن نطلع على ملامحه إلا بالمضي الى نهاية القصة ولكن على مراحل بحيث نبقى معلقين بين الرجاء والخشية , فما تلبث الرواية أن تنتهي , دون وصولنا تماما الى مستوى قناعة العزي بنوع العودة التي اختارها , وما إذا كان سيعدل عنها .
وببساطة , أن يعيش العزي , وهو الريفي البدائي القادم من عالم كانت تملؤه المثل , عالما يجعل من الصلات الإنسانية رهنا للمادة والمصلحة , فهو بحاجة لأن يصحح ماضيه , وأن يعيد تأهيل العالم الذي انتجه .. أن يصحح كل المواقف السابقة : براءة علاقته بأمرية , عفوية البدائيين ونساء الساقية , نساء المغتربين والغرائز الوحشية التي لا يلجمها إلا كونها قابله للجم في عوالم كتلك.. كل ذلك و يكتشف العزي مؤخرا أنها عوالم غير قابلة للتداول , ولا تنتج إلا فشلا وعزلة. لذا كان عليه تقويمها واعادة تأهيلها لنخرط في الساق الحضاري للعالم . إلا أننا ننصدم مثله بأن بونا واسعا عن الماضي أوقعنا مرة أخرى , بفعل غفلته عن بعد الزمن , في ما يشبه هزء مستديم أو لعنة ستظل تطارده , ذلك عندما نسبية واقع العزي تصل به حد الذهول والغربة عن كل شئ حتى ماضيه .. أمرية عجوز معروقة الأيدي .. الخ . يعزز ذلك شواهد لا تحتاج الى ذكر , مثل اجتراره كل واقع القرية ذكريات وعدم احتفاله بأي شئ مما يعيشه في واقعها الا عبر ما يمثله في ماضيه : معاملة امه وابيه له كضيف ( حادثة الراديو ) ..الخ.
ربما مع هذه المرحلة يبدأ يتكشف قليلا نوع (العودة) التي اختارها العزي . في واقع غير قابل حتى للترميم , ربما اختار العزي أو أنه أجبر على انتحار شامل . ليس انتحارا فلسفيا وفيزيائيا وحسب , وإنما يتجاوز حتى كونه اختيار فردي , ليكون جبرا ممكنا على المستوى الجمعي . فبعد استهلاك كل ما تبقى من ذكريات , والمجازفة بكل جميل وبرئ , النيل من كل الملامح التي مثلت الماضي الذي أتى عنه , نراه يوسع دائرة هذا الانتحار ليطال الجميع .. اشعال صراع قبلي , خلط وتلاعب بأوراق القرية من سياسة الى صحافة الى قبيلة ...الخ.. وببساطة : تطرف وعنف يصل حد الغيبوبة ، مثل مشهد سرقة القات و مشهد الإغتصاب ذروة هذه الغيبوبة , ليس دلالة وحسب , بل وتمثلته لغة , كما سبق في تفصيل الإنزياجات.

تلك المغامرة للهوية , لم تكن اطارا هرمونتيكيا احتال به الكاتب لتسويق باكورة اعماله , بل مغامرة قد تكلفه الكثير , ذهب بها الى ما بعد النص , بحيث , كالعادة و تحول النص برمته , أي العمل الأدبي وصيرورته في السوق عبر مؤسسات النشر والترجمة الى القارئ , تحولت كل تلك العملية الى ثيمة والى مكاشفة على ارض الواقع لمغامرة من هذا النوع .
وفي ما تبقى من الرواية , خاصة الربع الأخير , يزج بنا الراوي في اعصار تتطاير داخله كل ما ألأثاثات التخيلية التي افترضناها من و للرواية , ليتداخل كل شيء , ولا تبقى سوى حادثة اغتيال جار الله عمر , تطفو بين الفينة والأخرى , مع مراعاة أنها ارتبطت منذ البداية تقريبا, بالفلم الأمريكي والحملان , كأن واقع الحال النفسي للعزي في الربع الأخير هذا , وعند هذه المرحلة بالذات هو :
لماذا علي أن أغتال كل هذا الكم من انسانيتي لأكون صالحا للتعايش ؟لماذا هويتي الثقافية أنا بالذات تسحب من السوق تحت طائلة ما يشبه العيوب الصناعية , بالرغم من أن ثقافات أخرى أكثر غرائبية و وربما تطرفا سحريا قد ذابت وتذاوبت بل وحققت من الدهشة ما لم تحققه ثقافات أخرى كثير هي أعتق تاريخيا وأعبق حضاريا؟؟ أذا كان لدى ماركيز موكوندو , وفتيات تطير , كل ذلك الكم من أسماء الأعشاب و الحشرات , والتي لم تسوق إلا عبر تذييلات وشروح وهوامش المترجمين والناشرين , فلدي على الأقل ما يوازي ذلك إن لم يتجاوزه:
أحاول أن أتذكر غرف وبيوت «مائة عام من العزلة» أشعر بالمكان جيداً، ولا أدري هل كان هناك شيئاً ما روائياً تماماً في الحمام الذي كانت تقف فيه فتاة «مائة عام من العزلة» الشهيرة، التي طارت في سماء القرية فيما بعد، تقف عارية ترتجف بين العناكب وجدران الحمام بشكلها البدائي؟ يعلم هذا المشهد في أي قرية يمنية، حمام مليء بالعناكب والجنسانية. العالم الروائي وأنت تختبره، تأتي بالحياة التي تذكرها والحالات كلها، وعلى أن المآلات هي ما يهم آخر الأمة.

صعد صرماح طاهش ... هناك احتمالات عدة الآن من الموقف الفعلي للراوي والرواية بل وعملية ( التراوي) بين النص وما بعده .. عملية الكتابة الروائية والقراءة الروائية نفسها ليس عند حدود الكاتب والقارئ , بل وعملية التسويق (النشر والترجمة) , كما أن هناك احتمالات عدة لمن يتوجه الخطاب بهذه الرواية كحدث لا كأدب.. ربما يقول : إن عجزنا عن تمثل حالة من إثنية ثقافية في عالم احادي الثقافة افتراضا , فذلك ليس مرده فقط وبالدرجة الأولى أوروبا / الغرب .. الخ , ذلك أن سابقة الواقعية السحرية و ما مثلته آداب امريكا اللاتينية , أو حتى أدب آسيا , قد أخرج تلك الجهات من دائرة الإتهام ولو جزئيا أو مؤقتا. ربما كان الإحتمال الأقرب الى صاحب هذه الورقة , كان ربما استشراف من صاحب الرواية لما ستتعرض له روايته من بعض دور النشر في حالة هي أقرب للتحدي والمغامرة, ليس هذا وحسب , بل ونرى النص يضع أما القارئئ المحلي ( طاهش ) باستفزاز غير مسبوق .. هل علينا أولا أن نحسم أمورا كثيرة في ثقافتنا المحلية , قبل الأقليمية لنصل الى الكونية ؟؟؟ كثيرون ممن ناقشت وهم عادة من القائمون على الوعي عند الناس , أي من النخب , قد لا يؤمنون بأن الطاهش ليس أسطورة صنعها خيال مرتبك في زمن مظلم , وإنما مفترس وآكل جيف حقيقي يصعب حتى أن تقارنه بأي من المفترسات المنقرضة في كل المراجع و الموسوعات. كثيرون أيضا ممن عاشوا تجربة مرآه وهو يخشش عظام البقر في سوائل المناطق الوسطى - وانا بالطبع واحد من أولئك الكثيرون وربما كاتب الرواية – ربما لن ينفوا أنهم رأوه ذات طفولة يجلس على على رابية برأس قرية يهش عن رأسه الذباب أو الناموس .. (، والعزي طاهش صغير لذيذ ومؤلم. ) إن التعامل مع القارئ المحلي بهذا الإصرار يوحي بالكثير : لماذا لا تبادرني أنت , أيها الآخر الإثنوي داخل الأمة الواحدة وتقبلني كما أنا وحسب ؟؟ لماذا علي أن أكون أنا جار الله عمر ليس على المستوى المحلي أو الاقليمي وحسب , بل والعالمي أيضا ؟؟

يترك الراوي كل تلك الأسئلة لنا ويمضي , غير أنه كما يبدو يصر حتى آخر صفحة بالرواية بأن لديه ما يستحق أن يحتفظ به ولو كفر بالعالم كله , ولو أن هذا الإحتمال بالذات , وإن بدى موضوعيا الى حد ما , غير أني لا أستبعد هنا وقوف صاحب صاحب الرواية على رمال انطباعية متحركة .

حيث أن هذا كله لم يمثل قناعات العزي الذي التحم تمام بالأخير بالصوت الخارجي للمؤلف , لم نلاحظ على الأقل أي مؤشر انحناء في التوجه الذي تنتحيه الأحداث , بل وأنها تزيد الرؤية صعوبة و تخنق كل الاحتمالات حد الإفلاس .. فهل هي توبة ثقافية بالفعل وإن تأخرت بعد تلك المغامرة المجنونة ... أم أنها , كما في افلام الجريمة , اعتراف القاتل مسبقا واقراره بجرمه كتبرير له أمام الضحية قبل الإجهاز عليها ؟؟؟ لسنا ندري .

حدث كل شيئ بسرعة دفعته للتمادي وهو يطلق النار ذات ظهيرة من الكلاشنكوف ويلحظ عبده المختبئ تماماً ولم يتأكد البتة ما إن كان عبده قد أطلق طلقة واحدة، ابراهيم يطلق من مكان قريب بسخاء شاب ليس مسؤولا عن أحد، يطلق نيران الخزينة دفعة واحدة، صور تتزاحم والسرعة السرعة، وخطر للعزي أن الكهرباء العمومية التي دخلت القرية قبل أيام ومصابيح الإنارة الخارجية قد حرمت عبده من التلصص، إذ وجد نفسه تحت رعب الضوء. كان رأس عبده مكشوفا وهو يخبئ بقية جسده ويحتضن الكلاشنكوف، فقفز العزي ليحميه وشعر بطعم البارود يملأ خياشيمه. دخلت الرصاصة أسفل بطن العزي وابتسم بعظمة من يسير إلى الأقاصي، طلقة رشاش بالتأكيد لكن ليست قاتلة، لا أحد غيره الآن، حتى مشروع الرواية الملقى في ظرف كاكي أسفل الصخرة التي كان يحتمي بها لم يكن موجودا، دم يتدفق وكان ينتظر شيئ ما، رؤية ما قد تغيره إلى الأبد. حاول وضع تحوله في هذا الوضع على مقاس اختراق رصاصة رشاش لبطنه وفي منطقة غير قاتلة، وجب عليه التأكد من كونه قد سمع أكثر من مرة عن نجاة شخص تعرض لرصاصة أسفل البطن، أين تراه نسي مشروع الرواية؟ كان ذهنه يعمل بينما كانت أصابعه تتلمس الدم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق