الأربعاء، يناير 30، 2013

يوم التهديد


محمود ياسين

كان يوما حافلاً، استيقظت على اتصال من زميل حضر اللقاء بين وفد نقابة الصحفيين وعلي محسن ليخبرني بجمل متشابكة عن الاعتداء على الصحفي طه المعمري من قبل جنود الفرقة، وأن علي محسن ذكرني بالإسم وهو يتحدث مبيناً اندهاشه من الاعتداء على طه المعمري الذي هو "صاحبنا" كما قال زميلي نقلاً عن علي محسن. المهم في الموضوع كان أن الجنرال قال إنه لو كان الذي تعرض للاعتداء "الشارع" أو "الأولى" أو محمود ياسين لكان ذلك مقبولاً، ولم يتمكن أحد منّا على مدى الساعتين ما بين الثانية والرابعة من التأكد من أن علي محسن ربما قالها على سبيل الاستشهاد بصبره على الصحافة، على أن ذلك إشارة منه لكي يفهم وفد النقابة أنه لو أردنا إيذاء أحد من جهة الصحافة كان الأحرى بنا استهداف "الشارع" أو "الأولى" أو محمود ياسين، هذا على أساس من كون هذه الأسماء هي الأكثر تركيزاً على تتبع أخطائه ونقدها أو الأكثر تطرفاً في معاداته حد اعتقاده.

 غير أن الأمر بقي فعلاً رغم التخمينات هو رسالة تحذير إن لم يكن تهديداً مباشراً، ويقول أحدنا لنفسه، ما الذي سيفعله بي علي محسن أكثر مما أنا عليه وما تعرضت له من متاعب، أو أن أحدث نفسي من لحظة تلقيت الخبر حتى أذان العصر وأنا أقول لنفسي إنني ربما أخاف من صاحب البقالة لأنه صاحب حق، أما علي محسن فما الذي يسعه فعله بي؟! وحين يصل السيناريو إلى أقصى احتمالاته المأساوية فلن يتجاوز رصاصة في الرأس ولقد سمعت أن صاحب الرأس المرصص لا يشعر بالوجع، وأن أحدنا ربما لن يدري بشيء ولن يستيقظ إلا بين الحور العين، هذا على أساس من أنني سوف أصلي العصر جماعة. أنا حقاً لا أستمزج هذا النوع من البطولات الاستشهادية وأحلم أن أموت وقد تجاوزت المائة عام دافئاً على الفراش، ومشمولاً بالرعاية والتكريم وقد خلفت روايات وحكايا ومزاحاً شهيراً وحميماً. لكن الرصاصة خطرت على بالي من قبيل يعني ما الذي يمكن أن يصل إليه الأمر في أسوأ الاحتمالات. ولقد نشرت الحكاية التي حدثت في مكتب قائد الفرقة في صفحتي بالفيسبوك وتبين لي من الردود أن الناس يميلون للصحفيين أكثر حتى بعض الأسماء المفترض احتسابها على مضمون الود الحزبي تجاه الجنرال، فلقد اختارت الانحياز للصحافة ولي شخصياً من كوني أجيد التواصل مع أفئدة بعض ناشطي الفيسبوك وأظنهم يثقون بي وإن اختلف معي هؤلاء البعض .

لا مزيد من التحديات في مضمون هذه الحادثة بقدر ما هو تفكير بصوت عال حول كيف يتلقى أحدنا تهديداً أو تلويحاً بالعنف، وسمعت لاحقاً أن عبدالغني الشميري صحح اسمي للجنرال الذي كان قد نطقه بلقبي فقط فصاح عبد الغني: محمود ياسين، فقلت في نفسي هكذا تكون الصحبة وإلا بلاش، عبدالغني صاحبي يقود الجنرال لهويتي بدقة ومسؤولية مثل ذلك الذي يدل العسكري على بيت صاحبه ويناديه "انزل العسكري يدورك". عبدالغني يعرف بيتي لكن عسكر زعيل يعرفني من أيام نوافذ وكان يقول لي يا أستاذ، وكلاهما عبدالغني وعسكر يقودان خطى الجنرال العجوز ليس إلى المسجد وإنما أحيانا إلى المزراب، أو هكذا أظن دونما حاجة مني لترديد لكنة البطانة السيئة التي تضلل رجلاً كان بدون البطانة ليكون النبي الخضر. لا لا.. علي محسن ربما فقط يخطو نحو مزراب العلاقة الشائكة بالصحافة وببعض الوزارات والمصالح منقاداً لميول وتصانيف عبدالغني وعسكر، غير أن استراتيجيته العسكرية في دماغه وحده ويعلم الله إلى أين ستقوده وتقودنا معه .

ولأجل الدقة والحقيقة والنزاهة، توقفنا في "الشارع" و "الأولى" عن فكرة التصعيد استجابة لصوت مروان دماج أمين عام نقابة الصحفيين، وهو قد شارك في جلسة بحث الاعتداء على الصحفي طه المعمري وأنا أصدق مروان، فلقد قال إن الجنرال ذكرنا في معرض الاستدلال والشكوى وليس في معرض التهديد.

ولقد تبين لي أن انحرافاً أليماً زجّ بنا في البحث عن دلالات تلويح علي محسن بأسمائنا وأنجع سبل الرد مغفلين أصل الموضوع الذي هو اعتداء جنود الفرقة على طه المعمري، ولقد أخبرني الأستاذ أمين الصفا سكرتير تحرير الشارع الذي كان موجوداً، أن طه كان مبهذلاً جداً ومَدمَّي الأطراف وانه ربما حكى لهم أنهم أطلقوا النار بين قدميه وروعوه بأكثر الطرق وحشية، غير أن الأسماء الثلاثة التي ذكرها الجنرال "الشارع والأولى ومحمود" ربما أكثر شهرة بقليل من طه المعمري، وكأنك في هذه البلاد لا تكون محمياً إلا بوصفك أكثر جلجلة وقدرة على استقطاب المراقبين لصراعك مع الأقوياء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق