محمود ياسين
لا تخرج من مقرات المشترك رؤى وطنية أو
تصورات للحل، هي فقط تخرج ترشيحات.
تجد أحدهم يتجول في الممر مصادفاً حزبياً
ساهماً، والكرافتة بجهة والياقة بجهة أخرى، فيتساءل من يصادفه: ما خرجش ترشيحه؟
أمناء العموم يوزعون ترشيحات، ويبحثون في
اجتماعاتهم المساحة التي غطاها المشترك من الترشيحات في عموم الوطن، وسبل تطويرها.
انتظرنا قيادة وطنية تخففت، كما تدعي، من
ثقل صالح وقدراته على إفراغ أدمغتهم التحديثية من فاعليتها، أو إعاقة هذه القدرات،
وإذا بهم يكشفون عن شخصية وسيط توظيف ربي رزقه.
تقترح على أحدهم زيارة للدكتور ياسين، فيتحمس
جاحظ العينين، قائلاً: أيوه بيض الله وجهك، نخرج من عنده بترشيح، فيرد عليه أقربهم
للدكتور قائلاً: الدكتور ما يدي ترشيحات، وإلا كان أدى لي أنا..
والذي سقط اسمه من قائمة الإصلاح، يتسلف
ترشيحاً اضطرارياً من قائمة الاشتراكي، في مشروع تطوير تهامة، على أن يسدد هذا الترشيح
من تعيينات الملحقين بالسفارات.
ولا كأنه بالبلسة بلس.. كأن الصغيرة التي
أجهشت بالبكاء صارخة: ارحل قتلت بابا.. إنما فعلت ذلك ليحظى المشترك بالحق الواسع في
المحاصصة الوظيفية، وكأن الفكرة الثورية الشبابية التي أظهرنا يأسنا من وجودها، قد
أفرحت بذلك اليأس قلب المشترك، فراح يتصرف على نحو مخجل، يذكرك بمزاج الهبيشة بعد إخفاق
الأحلام الكبيرة.
في صالة عزاء قام أحدهم يبحث لأحد رموز
المشترك عن متكأ وماء، فحسده الآخر مغمغماً: يا الله ما هو خارج إلا بترشيح؛ ناهيك
عن اتصال من موظف سابق برئاسة الوزراء، يستشير ويستفسر عن الحزب الذي ينبغي عليه الانتماء
إليه في المشترك، بشرط أن يكون الأقرب لقلب باسندوة، ليرشحه عنده، ليس لوظيفة جديدة،
ولكن ليعود إلى وظيفته السابقة.
ويقول لك متهكم عظيم يحلف أنه هذه المرة
يسرد لك قصة حقيقية عن ناشطين اثنين في المشترك، اختصما عند رئيس الوزراء على ترشيح
واحد، وأن دولته نصحهما بحل الخلاف والتراضي بينهما، وهو بدوره سيوقع على ما اتفقا
عليه. صاحبنا هذا يقسم أن الناصري تخلى للاشتراكي عن إدارة ناحية، مقابل أن يلتزم الآخر
بترشيح في مصافي عدن، ويوفيه سيارة باجيرو.
الفكرة أننا جميعاً متراضون على الانتقام
من المؤتمر، باقتسام ما كان مستحوذاً عليه من حقوق وظيفية.
والحكاية أن الحلم الثوري، وإن أظهرنا يأسنا
من تحققه، إلا أن حساسية أخلاقية ينبغي لها التحكم بجزء من دوافع المشترك، وكبح بعض
من نزعاته الوظيفية البدائية.
ليس لدى الرئيس طاقم جيد يقدم تصورات لخيارات
الوظائف الكبيرة والحساسة، وبمعيار الكفاءة، لذلك يعتمد على الترشيحات المقدمة له من
كل الأطراف، ونحن قد يئسنا من تحلي بعض الأطراف بأية مراعاة أخلاقية، مدركين أن هذا
هو مزاجهم، لكن المشترك حالة مختلفة من كونه المتشدق العظيم بفكرة الكفاءة والعدالة.
يحدث هذا بعد ثورة، وضمن حالة من الإحباط
والرضوخ لمجاميع من الحالمين، ومن المتجولين بكفاءتهم وحظهم العاثر بين المقايل والبوفيهات،
وهم محرجون، وقد تسربت حياتهم من بين أصابعهم، ناهيك عن تسرب فكرة الخصم الفاسد العابث
المتلاعب بالوظيفة العامة والمحتكر لها، إذ إن ذلك الخصم الراضخ كان بوجوده يمنح تفسيراً
معقولاً للنفي، لكن الآن يشعر الضائع أن خصمه قدر غريب وعقدة نفسية في زمن الخيبة العظيمة.
يجري أحدهم سلسلة اتصالات بالوزير ونائبه،
مقللاً من شأن زميله الذي كان يقاسمه سندوتش البيض وسيجارة الكمران، قبل الثورة، ضمن
سعي محموم لخدش ترشيح زميله ذاك لوظيفة كبيرة، فيقوم آخر بلفت انتباهه إلى أن هذا حسد
وسلوك غير لائق بالأيام الخوالي، فيرد ذلك باستياء مظلوم: هو شوه ترشيحي، والله لا
أشوه ترشيحه..
وتخلص مجموعة أخلاقية تراقب معارك الترشيحات
هذه لوجوب احترام كل واحد لترشيح الآخر.
ناهيك عن إعلامي بقي يلاحق أميناً عاماً
مساعداً بالاتصالات للخارج -ربما كان في لندن يجري بعض الفحوصات- ولقد أكد الأمين العام
المساعد من لندن أنه أرسل الترشيح مع السائق ليوصله لرئاسة الوزراء، وتبين لاحقاً أن
السائق في طريقه لرئاسة الوزراء، تلقى اتصالاً من البلاد يخبره بوفاة والدته، فسافر
والترشيح معه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق