محمود ياسين
ليس فقط القرار 144، ولكنه بلد منذور للاستخفاف،
وتعيينات تتجاوز حتى منهج الرئيس السابق. هادي شغوف بالتوقيع وكأنه كان في ميز الضباط
بالكلية الحربية، أو في أوقات الفراغ يتمرن على التوقيع فوق كرتون أو باكت سيجارة فارغ،
ليجد أمامه وطناً مفرغاً من تطلب أو رقابة ثورية أو أخلاقية سياسية، فقام يذيل إرادة
المشيخ والموظفين الفاسدين بتوقيعه، متأكداً أنه بمرور الوقت أفضل من توقيع الرئيس
السابق، ولو قدموا له قراراً بتعيين ناصر الوحيشي سفيراً لبلادنا بالولايات المتحدة
الأمريكية، لوقع عليه بشخطة سريعة، دون أن يكلف نفسه عناء طلب "السي في"،
أو أية معلومة، وكأن طاقمه الوظيفي كلهم من أبين من "الدنبوع"، جالسون يلعبون
"بلاي ستيشن"، وفرحون بحظهم الجيد بعد أن تعبوا كثيراً.
توقيعاته مثل تصريحاته هكذا كأنها تخلص
سريع مرتجل لم يتدخل فيه موظف رئاسي أو مستشار، بقدر ما هو نشاط رئاسي شخصي برم يقوم
به ليعود لما كان التوقيع أو التصريح قد شغله عنه.
ثم إنهم يرددون عن طبع رجال منطقة عبد ربه،
مقولة: "قرحت البندق"، بمعنى خرجت الكلمة، وهذه مصائر ومقدرات بلد يا فخامة
الرئيس، وليست غرضاً لأن تقرح بكلمة من طبع البداوة الأبينية التي يقال إنها أشبه بمزاج
سائق شاحنة مكيف ومتعر لقدام يعرق ويشرب كندا ولا يبصر أحداً في الخط.
هذا ليس تعريضاً لفخامته، ولم يتجرأ أحدنا
على كتابة تعريض غير مستحق، فالرجل إلى الآن مجرد وعد قد يصلحه الله، وكل ما قام به
هو ما يردده في كل خطاب، أنه جاء والبلد على شفا كارثة حرب أهلية، وليس فيه ديزل ولا
كهرباء، وهذا ليس إنجازاً أن تأتي والبلد على شفا أي شيء. وليس من حق أي حاكم مكافأة
نفسه بطريقته، ووفقاً لطريقته في حساب الاحتمالات، بقدر ما عليه اعتماد سياسات، والقيام
بخطوات، وليس القيام بكل ما كان سلفه قد بدأ يقوم به في الأيام الأخيرة، بوجل من نوع
ما.
شيخ يرسل للرئيس ترشيحاً بمجموعة وكلاء،
ويوقع بدوره على ترشيحات الشيخ صادق الأحمر، هكذا بآلية تحاول تقليد توقيع صالح على
ترشيحات الشيخ عبدالله، ضمن عملية محاكاة لما أنتجته علاقة قطبي العسكرية القبلية على
مزاج البلد ورجائها، ودمغت ذلك المزاج بحالة من الإحباط والكسل في الطموح.
ثم إن المؤكد أن صالح لم يكن يوقع هكذا
بهذا المستوى من الاستجابة الكاملة، وأغلب الظن أنه كان سيجامل الشيخ باسم واحد، أو
يعوضه بكلمة ما. أقصد أنه حتى وهو يدير الدولة بالمحسوبية والمجاملات، كان يغالط قليلاً،
ويسوّف أحياناً، أما هادي فلديه من نفسه تصريح مفتوح على حساب زمن جديد لم يتعهد له
بشيء، وهذا هو الرئيس الأكثر تخففاً وراحة من أي وعود -حد ما نعرف- ولا إشارة حتى لبرنامج
مطلوب منه تنفيذه، أو حتى ادعاء تنفيذ جزء منه.
الجميع هنا لم يعد يبدي أي اعتراض على تكوين
السلطة القائم، أو يشير لوجوب استبداله، وفرغنا فقط لنقد الأخطاء التي يقع فيها هذا
النظام، ممثلاً في ذروته برئاسة هادي، الرئيس الذي يتحدث عن أنه جاء فتوقفت الحرب الأهلية،
على أن ذلك التوقف هو برنامجه، أو بشكل أدق "اللاحدوث للحرب الأهلية". وطالما
لا تحدث تلك الحرب، فهو إذن ملتزم ببرنامجه الانتخابي، والباقي قرارات واشتغال سياسي
بمنهج هو خليط من كل الانفعالات المترسبة من كل أزمات اليمن وانهياراتها الوشيكة، وبمزاج
عسكري تسيس قليلاً في أواخر العمر، ومحاط بالثقات من أهل البلاد، وتخالجه مشاعر طيبة
تجاه البلد.
نحن بالطبع عالقون في ذات البرنامج المشابه
لبرنامج هادي. ذلك أننا مضطرون لدعم رئاسته حتى لا تتناهبها مراكز القوى والنفوذ التقليدية.
وطالما بقيت تلك القوى، ستبقى تحاول أن تتناهب، وبالتالي نسعى للحؤول بينهم وبين ذلك
الطموح، بالمزيد من دعم عبد ربه.
لكن هناك حياة كاملة تنقص الناس، والتوقف
عند حافة الهاوية لا يعطي تصريحاً بممارسة كل الأخطاء الأقل من الهاوية. ذلك أن هذه
الأخطاء ستقود من جهة أخرى لهاوية أخرى ليس لها حافة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق