محمود ياسين
يتجول القرار 144 بإب من أمس براحته، مردداً
لنفسه: اللهم إني صائم، وكنت قد وصلت جولة سبأ مصادفاً صديقاً قديماً يسألني عن رقم
الشيخ عبدالعزيز الحبيشي، فتصورت القرار مخزناً جوار الشيخ ركبة بركبة، مفتعلاً قهقهات
عالية ليكسب الشيخ، أو يجعله يستحي منه مقابل المبالغة في تقدير روح الفكاهة التي يتحلى
بها الشيخ عموماً.
مؤخراً، أمسى تهكم الشيخ يأتي إلى صنعاء
بوتيرة شحيحة، ويعيدون لنا كل النكت القديمة، وأتقصى من هنا وهناك عن نكتة حبيشية قد
تصل من إب عن السيد 144.
ولكن يلفت الشيخ الحبيشي القرار لوجوب مغادرته
كضيف ثقيل عليه البدء في حك صدره، والحديث عن متاعب الشيخوخة، ليتخلص من ضيف ثقيل،
عليك أن تلفت انتباهه أنك شيخ بدون قرار، وعايش بحمد الله، ولطالما جعلت الناس يضحكون،
وليس دفعهم للبكاء.
ضع الدسمال الشهير المعروف عنك، بين يديه،
وقل له: هاه هذا دسمال أكبر من حقك، بس دسمالك طفيح.
لكن لا أظن أحداً في إب يجد الوقت الكافي
لمداعبة قرار ثقيل، جاء من صنعاء هكذا، راكب شاص ومعشق الرابع، وبدون مصابيح أمامية،
ولا رقم، ولا فرامل.
أظن الرئيس هادي كلما وضع تمرة في فمه،
تساءل عن حال القرار، وطلب جالون عصير ليبتلع التمرة والقرار الأشبه بقنفذ لا يدري
الرئيس من وضعه في "حُدفه"، وورطه في محاولة إقناع إب أن القرار موش قنفذ،
ويمكنهم اعتباره أرنباً مؤقتاً.
الآن، الناس بإب لا داريين يبحثوا عن عجين
للسنبوسة بعد القيلة، وإلا يهموا القرار؟ حتى إن معدة إب تكاد تتوقف من عسر هضم السياسة،
وهي لا تدعك تصوم بهدوء، إذ ترجم لرمضانك قراراً لا تدري أين تضعه، ولا تعود تحب شارع
المحافظة الذي فيه القرار يشتي يدخل يداوم بالليل.
القرار أشبه بانتفاخ يجعل أحدنا حذراً في
حركته، وعلى درجة من التململ والتوقف عن الحلم بأي قرار من أي نوع، وبأي رقم، مركزاً
ضغينته على الرقم 144، وعلى شارع المحافظة، والمشترك، مقترحاً في النهاية أن القات
ربما كان سيئاً لدرجة الإحساس بالعجز، وقد يخبر نفسه أن هناك قرارات طيبة القلب للرئيس
هادي، ويمكن مجاملته بقبول هذا القرار، ومبادلته اتفاقاً بأن هذه آخر مرة.
لكن وجود القرار 144 له علاقة بأول مرة
تورطت فيها إب على هذا النحو. ذلك أنه لا أشق من التورط في مقامرة رئيس دولة بالتعايش
مع قرار كهذا الذي جعل طعم السنبوسة في إب أشبه بنكهة إسفنجة كانت مغموسة في تانكي
ديزل.
وتحول مقيل الشيخ الحبيشي بوجود القرار،
إلى حالة جماعية من نسيان النكت، وفقدان القدرة على التنكيت، وفي المساجد وأثناء الخاطرة
الرمضانية، وبينما يردد الواعظ: أين تذهب من الله؟
أين تخفي وجهك يوم القيامة وقد لقيت الله
فاطراً؟
أين تذهب من منكر ونكير؟
أين تذهب من الشجاع الأقرع؟
فيغمغم المصلي: أين نولي من القرار؟
تجده في سوق القات يوتر العلاقة بين المقاوتة
والزبائن، ويتواجد في ذكريات الشفوت، وفي وجوم آخر ليل إب، وفي زعقات الدراجات النارية.
ابتلعت إب قنفذاً، وهي تتلوى الآن لتتخلص
منه، وكأن المدينة تبحث كل ليلة عن شربة أو غسيل معدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق