السبت، ديسمبر 28، 2013

نناهض العنف


محمود ياسين

قضينا ليلة رعب اغتيال جدبان، وتوجس من تحول الجريمة لأول كلمة في سيناريو عنف طويل يعتمد التصفية الجسدية، ويشبه إلى حد ما سيناريو تصفية الاشتراكيين عقب قيام دولة الوحدة.

يبدو الآن أن الحوثيين هم الهدف، وتأتي مسؤولية الرد الآن من الرئيس، وليس من الحوثيين؛
إما أن تتصرف كرئيس دولة، أو تدع الرئاسة الآن، ليجد ما تبقى من عقل في اليمن طريقة لإدارة وحماية الحياة العامة.

أنت لا تكاد تقوم بشيء، ولا يحرجك شيء، وكأنك فقط راضٍ بكونك الرئيس ولو على خرابة.

أما الحوثيون، فأنا لم أنتخبهم، وليس لدي عليهم ككاتب وكمواطن أولا، غير حق النقد أو المناشدة التي أوجهها لهم الآن بضبط النفس وتوخي الحذر من أية ردة فعل عنيفة أو انتقام.

أين أجهزة الاستخبارات تخبرك من قتل جدبان؟ وأظنك الآن تعرف يا فخامة الرئيس، وعليك التحرك، ولو جازفت بأمنك الشخصي وبعض تحالفاتك.

الآن يجدر بك الحؤول بين شعبك وبين عنف الجماعات، وهذا السعي لجرنا لسيناريو قد يشبه سيناريو التسعينيات في العنف السياسي، ويتخطاه في النتائج، ذلك أنه كان قد تمت السيطرة على نتائجه، ولو مؤقتا، وكان الحزب الاشتراكي أيامها لا يزال شريكا سياسيا في قيادة البلاد، ومحكوما في ردات فعله على التصفيات بمسؤولية تلك الشراكة.

الآن لدينا أنت.

نحتاجك مضافا إليك التمتع ببعض الشجاعة.

نحن كتاب، وهذا ما لدينا، وهو نقد ومحاولة لفت انتباه قد تبدو قاسية بعض الشيء، غير أن غالبيتنا لا يحصل على ما هو أكثر من الرضا بكونه قد قال ما لديه.

مناسبة هذا البيان هي حالة التوجس التي أجبرنا على عيشها مؤخرا، وكأنني أبحث كل مساء عن كل العنف تحت سيارتي، وأغمغم أحيانا، مدعيا للجيران أنني أحاول إصلاح المسمار. لا أحد بالطبع يتبين مسمار خوفك في بلد كهذا، ناهيك عن معضلة اضطرارك لتنزيل برنامج الشجاعة، وتحميله من الضغط على نظامك العصبي والقراء يخبرونك بلا كلل أن عليك التحلي بالشجاعة، وأسأل أحيانا: ترى ما الذي سيفعله القراء لو اغتيل أحدنا؟ ليسوا مطالبين بالكثير قانونيا، ولربما تبقى ردة فعلهم أخلاقية محضة، ونحن في زمن كهذا حيث لا حماية لأحد.

ناهيك عن أننا قد أنجزنا خصومات بلا حصر، وقد يجدها البعض فرصة لتصفية حساب شخصي مع صحفي على حساب عنف الجماعات، وإلحاق العملية بقائمة العنف العام.

عمليا: لسنا خائفين ذلك الخوف الذي قد يدفع أحدنا للتوقف عن الكتابة، والعودة إلى أمه يربي الدجاج، ويصلي مغرب وعشاء في الجامع، وينام وقد قرأ الورد أو سمع الأخبار من لندن، إذ إنه حتى الحياة البسيطة أمست ترفا غير متاح، وإن عاد أحدنا لشيء، فسيعود فقط لمكان ميلاده، لكنه سيعجز عن الانفصال عن الزمن، حتى في القرية يتواجد زمن النت والفضائيات، وتتقطع الكهرباء بذات الوتيرة، ومن اعتاد الحياة في جلبة السياسة والكلمات، لا يعود بوسعه التخلي، ولو كان ذلك مقابل احتمال انفجار سيارته والتقاط أطرافه من البلكونات.

القارئ ينتظر كلماتك. أما موتك، فهذا قدرك كإنسان، ثم إنه "كل رجل يموت، المهم كيف". ولا زال لدينا بعض الوقت للتفكير في المخاطر في حال تركت البلاد للعنف والتصفيات، فالمرجح أن قائمة الصحفيين ستأتي لاحقا، إذ يبدو أن الأولوية الآن ليست لموتنا، وأظن أحد القتلة يغمغم لنفسه بشأن الصحفيين المزعجين: "لا تستعجلوش".


يقال إن الشجاعة الحقة ليست في انعدام الخوف، ولكنها في الاستمرار مع وجوده. ونحن سنستمر، ونكتب لكم رؤى في القتل، ومواقف من العنف، ونتمسك بهذا الحافز الأخلاقي، وهو يجعلنا أجمل وجوديا، إذ نناهض العنف، وننحاز للمظلوم. قد لا يكون ذلك مجانا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق