محمود ياسين
مات رجل ثري للغاية ، لم يبحثوا له عن ذكريات بل انهمكت العائلة في البحث عن ارقام خزنة النقود وأكوام اليورو الذهبي أو الوردي ولقد حصلوا على الرقمين معا ، مفتاح التسلسل ورقم " 600" مليون يورو .
كان لا يكف عن التبرم والإسهاب في الحديث عن بواسيره ، ويصغي الجميع لحكاية البواسير الثمينة ويصفون نزق طباعه وبخله ب" الحكمة "
مات وقد تأكد من إغلاق خزنته تاركا حياة لم يعشها بقدر ما أمضاها كصخرة ومانعا بين الآخرين وتذوق الحياة .
ماتت متسولة على الرصيف ، ومات فيلسوف ما لا يحضرني اسمه ولقد مات الكثير من الهنود مؤخرا ولم يجد بعضهم ثمن الحطب الذي يحترق به كجثة لم تعد تخص أحدا .
عش ياصديقي ، ولو ابلها وبلا افكار ملهمة ولا احد يجدك لامعا أو جذابا أو حتى يحبك .
عش متوسط الدخل أو معدما حتى فغدا ستمنحك الحياة مؤونة كافية للمضي كونك احببتها ، الحياة تكافئ المولعين بها ، مثل امرأة جميلة وبلا شفقة وتقدر الجسارة .
عش فلقد مات أناس لا يؤرقهم شيئ مما يؤرقك ، ومات أناس تبدو متاعبك بالنسبة لهم اقرب لهدايا قدر سخي ، ولقد توقفت قلوب كثيرة عن الخفقان بعضها مليئ بالخير والبعض لم يذق طعم الحب ولم يخفق يوما بشكل مضاعف ولأسباب عاطفية .
عش الآن ، اذهب إلى شارع مازدا وتناول وجبتك من الزلابيا مع كاس شاي حليب دون أن تفكر في ملامح شخص ربما تحسده وهو يحتسي مشروبا متعاليا على الشاي الذي لديك ويلتهم الكافيار في ملهى بمونت كارلو، لقد مات البارحة جالسا على مقعد البار وسقط الكاس من يده حتى أن أحدا لم يلتفت إلا بعد مضي خمس دقائق ، مات سكتة في صخب الحظ والتوقعات .
عش بمتاعبك فهي تبقيك قيد الحصول على سبب للحياة ، عش بالقليل وبالكثير ، بالزحمة وبالألفة وبالوحدة ،
لاشئ منتظم وقابل للفهم ، ويمكنك التحديق في ملامح رجل الأعمال الأمريكي صاحب السيارات الكهربائية ومشاريع استعمار الفضاء ، حدق في ملامحه لترى الموت شخصيا ، رجل قارس وكأنه روبوت ترجل من ذهن صاحبه المبتكر وتحول لقيصر تقنية لا يعرف الرحمة ولا يذكرك حتى بفكرة النجاح ، ياللشناعة أن تنجح على طريقة ماسك أو أن تحيا على منهج بيزوف أو أن تموت بأسلوب فقير هندي باغته الفيروس ولم يكن قد تناول إفطاره بعد .
عش الآن، قريبا من انفاس طفلتك النائمة ، أو رفقة ستاندال وتستبدله على الفور بجارثيا ماركيز كون الاول كان مملا ومتشائما بينما ارتجل الأخير واقعية سحرية بمقاسنا نحن الذين لا نحتمل وجودا بلا مخيلة أو مسرات بلا مخيلة ،نحن اتباع مذهب " دعوا الجميلات الفاتنات للرجال الذين يفتقرون لمخيلة "
عش فحسب ، لا شيء حدث من أغلب ماتوقعته
لقد كان أسوأ من الوقوع .
سيجارتي الأخيرة ، نسمة هواء من النافذة تعيد تشكيل الدخان الذي انفثه في الفراغ ، تصنع منه دوائر ووجوها دخانية في مرايا الليل على طريقة البردوني ،ابتسم برضى أكثر الرجال حظا في العالم إذ اتواجد بكل متاعبي وتقلباتي المزاجية في عاطفة امرأة تحبني بلا كلل ، واصغي في الصمت لقلبي وهو لايزال يحتدم
ما الذي أريده بعد؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق