الخميس، يونيو 03، 2021

الانهماك في نشوة التوقعات


محمود ياسين

كثيرا ماكنت أفكر عن الحالة والهيئة التي كتب بها مارسيل بروست جملته " كنت أجلس متوحدا بلا إحساس الأثاث ، ومن وضع غير منسجم لفخذي تتخلق امرأة " ، لطالما وددت رؤية الكاتب وهو يخبرني أنا شخصيا كيف يفكر وماالذي يتردد في وعيه ، وهل كان تولستواي وهو يروي كيف أن القائد سيتزيف كان ينام أثناء اجتماعات القادة الروس لبحث صد نابوليون عن موسكو ، هل كتبها وهو يرتدي تلك الملابس المزيج من رثاثة فلاح روسي ومهابة أحد الأقنان وقد وهب كل أراضيه للفلاحين ، كيف اتكأ دوستويفسكي على حافة طاولته وهو يحدق بعينين حادتين ويفكر في التهابات ذات الرئة منتظرا كوب قهوته من زوجته التي كانت تصغره بعشرين عاما واعتبرته طفلها الذي يرفض أن يكبر ، ياقة قميصه وحضوره الرمادي وكأن عالم ديستويفسكي هو بالأبيض والأسود وليس الصورة قبل الألوان ، ولربما فكر في عجوز وحيدة ترتعد بردا في شتاء موسكو وكتب الجملة الأولى من " الجريمة والعقاب " العجوز التي سيتقمص لها راسكيلونوكوف ويقتلها سرديا بينما كان قد فرغ للتو في  الحقيقة أن منحها البالطو الرمادي الذي كان يرتديه لتتدفأ به قليلا وانكشف هو لجليد المدينة وعاد إلى البيت يبصق دما ، هكذا ينقسم الروائي ويقترف القتل في  سردياته ويقتل نفسه في الحياة الحقيقية ليحيا كائن  آخر ، التبادلية والمواربة على انعكاسات المرايا بين العوالم المتعذرة والقابلة للحياة ،  الحياة الجديرة بالدفاع عنها على أية  حال وفقا لهيمنجواي قبل أن ينتحر  بدقيقة .
الاضطجاعة خاصة امل دنقل  " رماد السيجارة المتساقط على بنطلونه ، ثم كلماته الأخيرة وقد أعادت عبلة الرويني وضعية مخدته في المصحة ليموت باسترخاء في الغرفة "  8 ".
هذا الرجل يقارن نفسه بالعمالقة، أعرف أن أحدكم سيغمغم بهذا قبل أن يصغي لما اود قوله ، صحيح أنني أظنهم الرفاق ، لكن المهم هو أن هذا أنا وشيئ من هذا عندما كتبت لكم حكاية محمد الملاليني ورثاء بوابة الشيخ عبد الله ، اليمني في الحد الفاصل بين زمنين ليسا خارجه تماما لكنه يمني منهمك في نشوة التوقعات الجيد منها والسيئ ، بالثوب وكوته معلق في الجدار ويكتب تبادلا للهزء بين الرجل وماضيه وكيف حدث أن قتل رويدا ، يمني يشعل سيجارة ويتموضع في صنعاء أكثر أثناء المضي خلف حلمه السردي بالهروب إلى نيويورك في " ليلة نيويورك " ، في صنعاء وذاكرتي في بهو فندق سوفتيل ومع نكهة القات استعذب بقايا احمر شفتين " على حافة الكأس " ، رحلت أنا وبقيت فوهة دبابة تطل من تبة سوفتيل ومن جبل صبر تومئ المرايا وهي تضبب الوجود بين الموت والحياة . 
نحن هنا عالم افتراضي نجهد في جعله واقعيا أكثر ، بتبادل الصور والحكايا واغاني العسل والنوب وبأحلام الدهاليز واللقانة الصنعانية وبهذا الولع والتشبث بحياة ليست على مقاسنا لكنها كل الذي لدينا . 
بهذه الهيئة وهذا المونولوج اللوني أتخاطر معكم كل مغرب وقد هجرتكم آخر كل مساء ، بسبب العسس ومواربة الأوجه ورسائل الهواجس وكأنني وأنتم ديستويفسكي وماتيلدا " كنت وماتيلدا نهجر بعضنا للأبد مرتين كل أسبوع " .
هذا الآن أنا ، وقد مت موتا صميما البارحة لكن على طريقة البردوني : تموت وتحيا ؟ تلك إحدى غرائبي ، وعلى طريقته ايضا أنا " لص تحت المطر " كل الأبواب مغلقة في رحلة التيه والشتات لكنني في آخر الحكاية : وبدأت أحس بزوغ فتى ،،، غيري من مزقي يتكون .
أتكون بتواتر يومي لأبقى رفقتكم.

القوا التحية على صاحبكم محمود ياسين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق