كل يوم يأتي الإحباط بذات القائمة من المخاوف وكيف أنني على وشك الانهيار، وأنا أدخن وأهز رأسي ليركن أنني قد صدقت، فلربما يشعر هذا المونولوج المعاد بالرضا ويصمت.
أنا يا مونولوجي اليومي لم أكن مدللاً في طفولتي البتة، ولا أيام مراهقتي، ولطالما بقيت أرتجل أنماطاً من تحديات أتجاوزها وأتقبل أي حياة ولو كانت خلواً من التدليل والوسامة.
أنا شخص حتى وهو يتقوض إنما يفعل بمحض اختياره، أتقوض لأشيد من أنقاضي وجوداً أفضل، فما الذي ترجوه بعد؟
كان البردوني يعنيني أنا بالجملة الأخيرة من قصيدة: "لص تحت المطر": وبدأت أحس بزوغ فتى غيري من مزقي يتكون
أنا أتمزق لأتكون، ولقد سئمت تهديداتك هذه وتكرار أنني على وشك الاكتئاب أو أنني قد اكتئبت، وأن الذكاء الاصطناعي سيزيحني ويضع روائيين وكتاباً صنعهم على عينه الإلكترونية.
أنا سأحول الذكاء الاصطناعي هذا لشخصية في رواية وأجعله أضحوكة، سأجعله كائناً جديراً بالرثاء وأنا من أحدد مصيره، ناهيك عن: "يجب أن تذهب للطبيب، قد تكون كبدك معتلة"، والاحتمالية الأخيرة استنسختها أيها المتحاذق من ولعي بمقدمة دوستويفسكي لرجل القبو وهو يردد: "أنا رجل مريض، أنا إنسان حقود، أعتقد أن كبدي معتلة".
أنا فقط أدخن وأبتكر لك مساحة تتواجد فيها بحيثياتك المحبطة، وأصغي لك كل مساء وأنت تلعب دور ناصح ممل ويعاني التهاب المسالك ويفتقر لحس التجديد.
تدري يا مونولوج المساءات الممل؟ أنا ألجأ لحيلة إظهار ضعفي حتى تلتقط الضباع رائحة إنسانيتي وتخرج إليّ، فأكسر أعمدتها الفقرية.
ما إن تنتهي من عرضك اليومي النابه، حاول الاسترخاء أو النوم لبعض الوقت، وقائمة تخويفاتك ونصائحك وتحذيراتك بأنني وأنني، في يدك احتفظ بالقائمة، ستحتاجها غداً. المزعج فحسب أنك لا تدخل عليها أي تعديلات.
أنا سأستيقظ تمام العاشرة بمزاج وصحة طالب في مدرسة النهضة الثانوية وبعقل صافٍ وصدري مليء بالهواء النظيف، وعندما تحل أنت والمساء سأكون في انتظاركما لأدع لك ممارسة ثرثرتك اليومية بشأن مستقبلي المهني وحالتي الصحية، لأنزوي في ركن آخر تختاره لي قريحتي التي لا تكتفي وهي تعبّ الوجود عباً وتعيد تشكيله ليلائم وجودي لا العكس كما تحاول أنت وطاقم البيروقراطيين خاصتك.
اهدأ قليلاً أيها الهامس الذي يعشعش في رأسي، لم آخذك يوماً على محمل الجد. منذ وعيت وجودي وأنت تهمس وتحذر، ولو صدقتك يوماً لكنت شخصاً آخر غير هذا الذي يحدق في الرجل الواقف أمامه في المرآة باحترام.