محمود ياسين
بقي لي من السعودية ذكرى جيدة من السبعينيات، أيام كان المغترب يقول لرب العمل: راجع الحمدي. يقبل صاحب العمل الأجر المرتفع لأنه ما من سبيل لمراجعة رئيس قبعته مثلثة ويتبادل مع المغترب الثقة والحماسة.
لم تكن السعودية قد أصبحت ذكية إلى هذه الدرجة، أي لم تكن شريرة. ولم يكن الحمدي قد خبر قدرتها على إلحاق الأذى. ثم إنه كان متخففاً من المشائخ، وكان ذلك زمنه الذي أتاح لشجاعته استخدام مقولات الكرامة اليسارية ومغامراتها المدهشة. بهذا المعنى كان إبراهيم مغامراً وشغوفاً بالنهايات الرومانسية.
يرضخ اليمني أيامنا هذه للتهديد المستمر باستبداله باثنين هنود. وهذا ما تبقى له من امتيازات التفضيل والمقارنة بين مستويين للظروف السيئة.
أما المتسللون فثمة ما ينبغي البحث فيه بشأن مكتب (ترحيل جيزان). يقال إن شرطة جيزان سيئة، وينظر المغتربون إلى هذا السوء باعتباره نتاجاً لإدمان الشرطة للقات. يعتقد الأعزل دائماً أنه بطريقة أو بأخرى سبب وجيه لمساوئ العالم، وتتحول عاداته السيئة (القات) إلى سوط وغطاء للجلاد. وأظن هذه مأساتنا مع السعودية.
أما لماذا مكتب (ترحيل جيزان) فلا أدري أين أذهب بشائعة من نوع أنهم يبقون المتسللات صغيرات السن أكثر من أسبوع في أماكن مجهولة، بعد أن يتم فرزهن بعناية فائقة.
فكرة انتهاك العرض هذه مؤلمة للغاية. ومراجعتهم بهذا الشأن شكل من هوان إضافي. ويمكن هنا الإحالة على نموذج عبدالسلام الخديري الذي توسل السعوديين استثناء العرض من عملية الانتهاك. كانت كلماته، التي شارك بها في برنامج بثته قناة العربية عن الزواج السياحي بإب، مؤثرة. قال أشياء من قبيل: تعال أقاسمك لقمتي. أنزل ضيفاً علي، تمتع بنعمة الله، لكن لا تقترب من عرضي. وتأثر الناس بتلك النبرة التي علقت في صدورهم، على أن الخديري قد راجع نيابة عنهم بنبرة: "ارحموا عزيز قوم ذل".
أفكر كثيراً في تحول السعودية إلى فرصةٍ ليست ضائعة تماماً وليست سانحة أيضاً بما يلائم الباحثين عن طريقة للبقاء على قيد الحياة، يكونون أثناءها قد تخلوا عن الأسباب الوجيهة للحياة.
حالنا اليوم مع السعودية يشبه امرأةً حدقت أخيراً في المرآة وارتاعت من هول ملامحها. وحينما التفتت كان الرجل الذي التهم روحها قد أصبح أقوى من الماضي.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق