الثلاثاء، فبراير 21، 2012

ثورة ضد الكآبة

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

كنت متضررا في المقيل، وكان أحدهم يتحدث عن اهمية إعادة هيكلة المؤتمر، بينما كلن هذا الرجل بحاجة لهيكل عظمي أفضل من الذي يتجول به في المقايل، أشعر بسبب تكرار أحاديث الثورة، وكأنني حيوان نافق، ولست قادرا على السأم، وانا قد تعبت من الأحاديث الحاذقة والتحديق في ركب ( بضم الراء) المتهم بهيكلة المؤتمر، لديه اطراف مبالغ فيها. تحدث لك الأشياء المريعة وتفكر بطريقة غريبة؛ كأن تخشى تفاقم الأزمة بين الحوثيين والإصلاح" ينزلوا شفوت"، أصلا تجبرك الحياة على أداءات، فلا تعود تتعرف الى نفسك في خضم المبالغات، وتفقد حقك طوعا في ممارسة القرف من الكائنات.
واعتقد أن طريقة عبد العزيز الحبيشي أكثر أصالة من ادعاء الاهتمام، اقصد طريقته في تصفية انسان بغيض كان يحدث الجالسين بتكلف أضنى الحبيشي، فألتفت الى اقرب الجالسين متسائلا" بكم القدح الغرب؟"؛ حكاية معروفة في إب لرجل يقاوم السأم والبشر اللزجين بطرح أسئلة تصب في جوهر التململ الإنساني من الوجوبيات.
يا رجل ، ينبغي ان تضمن الثورة حق احدنا في الإهتمام بأمعائه احيانا، مؤجلا ارصدة الرئيس اثناء اكتشافه خلو حياته من أي رصيد مادي أو معنوي. لا اذكر اسم الكاتب الإيطالي الذي فوجئ بنفسه متألما لأجل الجائعين في افريقيا، بينما كانت الأمطار تهطل في روما، وكان حذاؤه مثقوبا، وكان لا يزال متألما لأجل افريقيا، وكان الماء يتسرب الى حذائه.
أعود الى الحصبة والمتارس لم ترفع بعد، والرئيس موجود، بينما تتجول مقالاتي كلها، وأذهب الى رأس جبل نقم، وأمضغ قرن "سوطي"، ومقالاتي جنبي يبعثرها الريح. اكاد الآن افهم دافع ذلك المفكر الروسي الذي أحرق مؤلفه الضخم الذي كلفه 20 عاما من الجهد، وكان بحاجة الى ورق ليلف به التبغ اثناء حصار لينين جراد في الحرب العالمية القانية. لقد احرق 20 عاما، ونفثها في فراغ العالم الضاج، هكذا في لحظة رد على الحياة الغبية، ولم يكن يحرق التفكير احتجاجا على فظائع الحرب، بقدر ماتبول على السأم.
لا أحد يتجول بشخصيته كما هي، مضى عام على هذا التغييب المرهق. كلهم جادون حد التعب. توارى الغرائبي من شخصية المبدع الذي كان غالبا ما يفصح عن نزقة الوجودي وحالة العتة الجذاب، واصبح يتحدث بعقلانية غريبة. اختفى ذلك التطلب الثوري من لهجة المبدعين، وكانوا يرون الثورة حالة بوح ضد الغباء. تصادف مبدعا كان لا يكف عن نفث دخان سجائره في وجه التابو، مطالبا بحقوقه الجنسية، وحقه في التبرم من مغرب صنعاء، ومن اعلان بيت هايل، وكان في الماضي قادرا على تفكيك شخصية أحد الساسة بحثا عن مكامن مأساة إنسانية تختبئ في كرش امين عام مساعد، وكان يعتبر النشاط الحزبي شكلا من اللاستمناء. كان المبدع شيطانا متهكما رائحته مثل توصيف روائي لأسلوب الكتابة والتحريض. المبدع اللعين الذي يموت ويحيا ويقاتل العالم دفاعا عن حقه في التناقض مع نفسه والتناقض مع الأزقة وربطات العنق. صادفت احدهم برفقة حزبي يعاني البواسير، ويتباها بقراءة كتاب شرح ابن عقيل، وكان في الماضي يتجول مع والده في المقايل، ليبهر الناس بحفظه قصيدة صوت صفير البلبل. يسايره هذا المبدع مصغيا لذات المأثرة الفكرية التي يرويها هذا الحزبي حينما قرأ كتابا أكثر من الف صفحة، وفيه من كل شيئ وحاجات كثير، والمؤلف تعمق تعمق وأدى كلم سبحان الله. ويختم مرويته التاريخية هذه قائلا:" كتاب يعني إن شاء الله أدوه لك وتشوف كيف". لقد فقد اليمن الذهن الملعون الذي يفكك العالم ويتبول عليه ويرثيه، ويبادلك النكات وفظائع التواجد في كنتاكي، ويتجول بشخصية اليمني غير المتحقق والعسير على الإحتواء لحساب هذا الهول الوطني الملتزم بالسخف والضحالة. لقد حلمت يوما أن يتوهج النزق الوجودي في الساحات ضمن حالة اغواء وتواطؤ جماعي ينجز ثورة ضد الكآبة.

منشور بتاريخ
17 يناير 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق