الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

أصابع أمريكا

محمود ياسين

يجدر بالولايات المتحدة توخي الحذر في حركة أصابعها في جنوب اليمن. ذلك خطر للغاية، ومن شأنه صرف طاقة السلطات آخر المطاف من ملاحقة الإرهابيين إلى ملاحقة أسباب انهيار وحدة البلاد.

لست أكيداً من أن الظلال التي يلمحها البعض في حواف بؤر الجنوب تعود لتحركات مخابراتية أمريكية حذرة تفصح عن تهور قوة عظمى لم تعد خائفة للغاية من تكاثر خلايا الإرهاب في بيئة صالحة كاليمن.. وبالتالي لم تعد بحاجة لتحالف كامل مع الطرف الرسمي. ما من سبب مقنع لهذا الاسترخاء الأمريكي المفترض، والذي أصبح متمتعاً بحق التعامل مع أكثر من طرف.

وأظن أن واحدة من مشاكل العالم الثالث تحديداً تكمن في المبالغة في تقدير الكفاءة الأمريكية، مفترضين أنهم ليسوا حمقى للعب في بيئة مهددة كاليمن في ما يشبه تجريب الهندسة الوراثية والتلاعب بالجينات.

أقدمت الولايات المتحدة على حماقات كثيرة، على امتداد ضفتي خط الاستواء خلال نصف قرن، وبمعدلات تصاعدية تفصح عن فقدان كفاءة، هي الأخرى تفصح عن حاجات أخرى لقوة فيها.. قوى أخرى غير ما تظنه دول العالم الثالث؛ شيئاً من قبيل حسن نوايا أنظمة رخوة تثق في الآخر بذات القدر الذي ترتاب فيه من نفسها.

سمعت كثيراً غياب معلومات وتصورات ساذجة في أدمغة أقسام الخارجية والدفاع الأمريكيين. ويبدو أن جنوباً غاضباً من هذا النوع هو المساحة الاحتياطية التي تستخدمها الإدارات الأمريكية كنوع من الدعم للمجال الضيق في واشنطن ومربعاته المكشوفة أمام الصحافة ورجال الحرب المنافس.

إن كان هناك خطأ أمريكي في الجنوب فهو من ذلك النوع الأقرب لوقت إضافي يكفي للخطأ الذي سيكتشفه المنافسون ويستخدمونه في الحملة الرئاسية القادمة.

لا تكون التجربة الأمريكية في الخارج مميتة مثلما هي في الداخل، وتلك ميزة لكل الإدارات، إذ لم يغادر نيكسون البيت الأبيض بسبب تجربة فاشلة كالتورط الفادح في فيتنام، لكنه طُرد من البيت الأبيض عندما جرب التنصت على خصومه الداخليين.

لا شيء الآن يضاهي الجنوب للتجريب. تقوم السلطات اليمنية بأشياء كثيرة من هذا النوع كنتيجة لغياب التصور العام وربما المعلومة التفصيلية حتى. مرة تعتمد الاسترضاء، وأخرى ترسل دبابات، وافتراض أنشطة مخابراتية خارجية غالباً ما يخاف الوارط من تصديقها تماماً، إذ لا يمكن احتمال الفكرة من الأصل ومن ثم التعامل معها مباشرة.

عليك التغابي عن حماقات خصمك القوي في جنوبك المتورم، فلربما يكتفي ولا يعدو الأمر عن كونه رسالة من نوع ما، وفي أحسن الأحوال لفت عنايته لخطورة الأمر مع الحرص على عدم إغضابه حتى لا يتمادى مثلاً. إذ لا يمكن للسلطات هنا ولو التلويح بورقة الإرهاب في مجابهة تكتيكية لأسباب من بينها غياب الإجابة القاطعة عن "ما الذي تريده الولايات المتحدة على وجه الدقة؟".

وهكذا تضيع جهود إيقاف التداعيات وتتلاشى في فضاء سوء الفهم المتبادل بين أكثر من طرف، ليس من بينهم الجنوب الذي ليس فيه طرف يمكنك الوصول معه حتى لاتفاقات شريرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق