محمود ياسين
يحصل أحدنا على صدفة يتواجد فيها مثقف اشتراكي
بحجم يحيى منصور أبو اصبع ويتعرف إلى انه لم ينقرض المثقف اليساري كما كنا نعتقد.
الساسة أشرار رغم أنوفهم، وكما قال البردوني
(كل الناس طيبون حتى يصلوا إلى السلطة) والذين كانوا طيبين نلمس مزاجهم الخيري وهم
ينقدون الرئيس السابق ونبادلهم النكات والشكوى أصبحوا مؤخراً يتصرفون بتؤدة من تحسن
حظه وليس حظ الشعب.
كان مزاجهم أخوياً وكانوا مسترضين، يحدثونك
جميعاً بتفاؤل غريب يدور حول أن مشكلة وحيدة هي ما تقف بوجه الناس وتنغص عيشهم، مختزلين
المشكلة في شخص أصبح الآن خارج الحكم وأصبحوا متيقظين لعدوانية الكتاب الصحفيين ويعاملونهم
وكأنهم مجموعة حساد.
أين ذهب ذلك الكلام كله عن تحديث البلد
وعن المغلوبين ووجوب الاعتماد على الكفاءة؟ أنا هنا لست بصدد كتابة مناشدة أو تقديم
طلب وظيفي لعلي العمراني الذي كان طيباً خارج الوزارة ويصر في اتصالاته على أنني أكثر
عمقاً من هيكل وأنا أراجعه: يا أستاذ علي أرجوك قل إننا وهيكل سواء مع إدراكي لما أنا
عليه حقيقة مقارنة بهيكل.
أصبح مؤخراً يتحدث عن معايير وظيفية ووجد
نفسه مضطراً لمقاومة كل الذي كان يبشر به كرجل يتصرف وكأنه خرج للتو من كتاب في التنمية
البشرية.
اضطر صخر الوجيه الذي كان أيقونة للخيرية
اضطر بسبب السياسة لتمرير سياسات مالية شريرة.
عبدالسلام رزاز توقف هو الآخر عن التصرف
كواحد من جيلنا ودفعته الوزارة لترديد شكوى تدور عن الحاقدين.
أنت حاقد في أحسن الأحوال، كلما أردت تذكير
أحدهم بالكلام الكثير والتحديث وكأنك تعرض به في حال أخبرته أن المشكلة الوحيدة التي
كانت تعوق قلبه الطيب عن إنقاذ الناس قد غادرت دار الرئاسة.
غالباً ما يبحث الأشرار الجدد عن حاقدين
ومطابخ إعلامية لدرجة فقدان الأمل بوجود رجال صالحين في هذا البلد.
إن واحدة من أكثر محاججاتنا للرئيس السابق
هي إقصاؤه للكفاءات وكنا نورد أسماء أشخاص نظنهم أكفاء مبعدين.
وما إن تواجدوا في الحكومة حتى فضحونا وتصرفوا
ببلاهة صادمة.
إذا استمر الأداء هكذا فهو لن يتجاوز إبطال
حججنا ضد الرئيس السابق واحدة تلو الأخرى.
كأن العامين هذين فترة تبرير أخطاء ثلاثين
عاماً عن النظام السابق الذي لن يتبقى منه كعدد سوى ما بين القوسين كمرحلة نحتاج لكل
خطاياها.
ومن أجل النزاهة يمكنك التأكد من طهارة
العمراني وحبه للمعرفة غير أنه عالق ومتأزم كأي رجل اكتشف أن الصواب ليس عملاً سهلاً.
ومن أجل الدقة أيضاً فهو عندما قارنني بهيكل
كان فيما يبدو يعيش حالة من استنهاض الذات اليمنية ودفعها لاكتشاف قدراتها وأنا واحد
من الناس الذين شغف العمراني بطريقة تفكيرهم من أمثال سامي غالب ونبيل سبيع ومحمد العلائي
الذي يعده العمراني أحد أهم موارد البلد المعرفية ربما وصف العلائي بما يشبه العبقرية
غير أنه اكتشف لاحقاً أن ما يقتنع به المرء خارج السلطة شيء وما يقرره شيء آخر، لا
أدري كيف سيفهم القراء أنني أوردت مقارنة العمراني بيني وبين هيكل؟ أنا أستشهد فقط.
يمكن هنا التفكير ان السلطة شر محض بالفعل،
وهي اختبار بالغ القسوة لذلك قررت شخصياً التقليل ما استطعت من إظهار طيبة القلب، إذ
قد تحملني الأقدار إلى حيث يضطر المرء لإظهار الشرير الكامن في أعماق كل منا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق