محمود ياسين
نقاوم فكرة أن شعبنا قد فشل، لا أحد يحتمل
كلفة رسالة محبطة كهذه، مع أن الحقيقة أنه قد فشل، ولا نريد ككتاب أن يستخدمنا الرئيس
ونحن نقول إن شعبنا فشل، لا نريد أن يستخدم صوتنا المحبط في حربه الباردة مع المشترك،
إذ لا يبدو أنه قد يئس ويفكر أحدنا أن لدى الرئيس السابق طموحات تتعدى التشفي بالمشترك
إلى تواجد واقعي لا أعرف طبيعته بالضبط، غير أن المشترك مصمم في ما يبدو على استخدام
أدوات الرئيس السابق كلها، لقد ظهر ذلك في معايير اختياره للوزراء، وفي طريقة تلقيه
للنقد، إذ أصبحت كل محاولة للفت انتباه المشترك لأخطائه، مجرد عمليات في مطبخ وما شابه،
التعيينات للوظائف الكبيرة تبعث على الإحباط، ونحن من هذا الشعب، ولسنا قادته، متضررون
كأبناء طبقة وسطى، وكجيل كان يرجو العدالة، فيورطك المشترك في الاستياء، ويدفع بعضا
من أبناء جيلك للتهافت على رضاه كمجموعة حاكمة جديدة يلزمها متملقون جدد، وحين تخبرهم
الحقيقة يعتقدونك صادقا وساذجا مثل أحد جنود جيش الملك الإنجليزي ريتشارد قلب الأسد،
حينما أظهر بعض الصدق والشجاعة، فقال له الملك: إنجليزي، صادق وشجاع، هل تملك الشجاعة
الكافية لتقول لي ما لا يجرؤ قادتي على قوله؟
فقال الجندي: الرب لا يرعى حملتك الصليبية
هذه التي نحن في طريق العودة منها من القدس، فقال الملك: إنجليزي، صادق وشجاع وساذج،
"اقطعوا رأسه".
كان قادة المشترك يباركون شجاعتنا في نقد
علي عبدالله صالح، والآن أصبحنا إما متآمرين أو ساذجين "سذج"، ونحن لا نملك
مشروعية إخلاء أرض المعركة لتتجلى بيننا وبين الخطأ، إذ اختلط الحابل بالنابل كما يقولون،
وسيخمش أحدنا وجها حزبيا أثناء عراكه مع خطأ يتأبط حزبا.
لا أسوأ من الذين كانوا يتملقون صالح، وأصبحوا
في طليعة متملقي القوة الجديدة، حتى إنهم لا يحذرون من مخاطر الرئيس السابق الفعلية
بقدر ما هم مستميتون في إظهار عدائية مبتذلة ضد رجل لطالما مسحوا جوخه.
هذا العالم ليس مكانا للعدالة، ولا لممارسة
النزاهة، ذلك يجعلك هدفا حتى لأقرب الناس في دنيا تبدل أوجهها وولاءات الناس ودوافعهم،
ولا تعود تدري من أين يأتي الخطر، ولا كيف انقلب الأمر، حيث يحاول إصلاحي النيل منك،
بينما يدافع عنك الناصري الطاهر إبراهيم البعداني. لقد وصلنا إلى حيث- كما يقول أهل
القرى- "ما تدراش منو غريمك؟".
لم تبدأ الحياة معنا هذه الأيام خيانة مفاجئة،
هذا يحدث لنا ليس بوصفنا الشرفاء الوحيدين والنزيهين في زمن سرقة الأحلام وتسويق الأكاذيب،
ولكنها خيانة من لا ظهر لهم، حيث يتكاثر الاستقطاب والاستقواء، وحيث تطفو القذارات
على السطح في بيئة بلا عدالة.
كان وجداننا يحلم بالهروب إلى أي مكان في
أرض الله الفسيحة، حيث لا يضطر أحدنا للمجابهة اليومية مع كل هذه الغوائل والأحاديث
المبتذلة، والناس الخسيسين، ربما في كندا وربما في أوروبا، لكن الإنسان يكتشف أنه قد
علق في الأرض التي ليس فيها العدالة، وليس فيها شيء لأجل آدميته.
سننفق مثل خيول بلا حقوق ولا راعٍ في حال
بقي الأمر هكذا، هذه لحظة مكاشفة وليست عتابا، إذ إنه من الحمق معاتبة خطأ لا يمكنه
الحياة والتواجد إلا بوصفه خطأ، لكن الأمر أن الرجال وهم يرمون في وجه ظالمهم بجملة
أخطائه وترهاته، ويتحدثون عن تعبهم، لا يعني ذلك قلة حيلتهم أو إقرارهم أن الأمر انتهى
عند هذا الحد، كل ما هنالك أن شرف الرجال مرهون بكلماتهم الصادقة، حتى وهم يرثون أنفسهم
قبل القتال من جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق