محمود ياسين
كأنني أكتب للمرة الأولى, لا زلت أتهيب
الكتابة مع كل مقالة. أفكر أن هناك من ينتظر مقالتي وأشعر بالمسؤولية تجاههم وبودي
لو أكون صادقاً ونزيهاً.
الوضع معقد للغاية هنا في صنعاء, فليس من
السهولة أن تنجو باستقلاليتك مع وجود كل هؤلاء الفرقاء..
في صنعاء لا أحد يدرك أنك حين تكتب عن ضرورة
استقالة أحمد علي وتخلي ما تبقى من نظام أبيه عن هذه المحاولات في خلق اصطفاف ضد الإصلاح
تحديداً. لا أحد سيتفهم أن هذا هو ما تراه وتعتقده في صالح البلد.
ليس من السهولة أن يكون أحدنا مستقلاً هذه
الأيام. لكني أحاول وأجهد أن أروق على أن الكتابة ليست فقط تحليلات وتقديم رؤية وتفسيراً
لما يحدث. فهي أيضاً نوع من التواصل المشوق, لكننا هنا تورطنا في السياسة ليبقى أحدنا
حاسداً لكتاب العالم واستعراضاتهم المدهشة كأن تقرأ استعراضاً للكاتب البلقاني كومبروفتش
وهو يصف اسلوبه في الكتابة على أنه (بهلوان متماجن).
وبسبب من ضحالة مشاعرنا تجاه اللغة وما
إن أحاول التماجن أو التفكير في الكلمة يحضر أمامي كل حراس الفضيلة على أن التماجن
هو الكتابة عن أجساد الفتيات, وليالي النَّهَم والملذات. ذلك أن وعينا يربط كلمة كهذه
بمقولة الفسق وليس ببراعة الهتك. هتك المقدس والسخرية من التابو. حتى أننا لسنا بتلك
الأهلية لخوض معركة مع التابو.
لأننا لسنا مؤهلين نفسياً, ولم يخلص أحدنا
بينه وبين نفسه إلى موقف معرفي وسيكلوجي مع الأيروتيك والإلحاد.. لاحظت في الفيسبوك
تواجد فتيات وفتيان يعلنون إلحادهم وجنسانيتهم غير أنهم يخفون صورهم أو يستخدمون أسماءً
مستعارة.
هذا ترف الآن على الأقل, والإلحاد مشروع
قاسي ولا أظن الذهنية اليمنية الآن من جهة المعرفة المحضة مؤهلة لخوض هذه المعركة ناهيك
عن هشاشة سيكلوجيا هتك المحرمات.
تحتاج المحرمات لطقس شيطاني شره, بينما
يحتاج اليمني للكرامة والملابس الأنيقة والكتب والموسيقى وتداول أبجديات الليبرالية...
لا توجد طريقة لتجاهل ضرورة انسحاب أحمد
علي من الحياة السياسية باعتباره الآن المحفز الأساسي لحمى الاستقطاب. ولا توجد طريقة
لتجنب كيان هائل بحجم الإصلاح الذي أصبح القوة الأولى التي ينبغي للمثقفين محاولة ترشيدها
ومحاصرة أخطاء الإصلاح حتى لا يحوله الهواة إلى غول ولقد كتبت هذا ولم يتنبه قيادي
إصلاحي لهذا النمط من التفكير..
ذلك أنك كاتب وهذا يعني (هل أنت معنا أم
ضدنا؟).
وأنت تريد الكتابة عن دنيا تمور بانفعالات
الفن وليس بانفعالات علي محسن الأحمر.
يتهكم كمبروفتش مرة من بعض كتاب البلقان
وكيف أنهم تحولوا إلى منظرين في الأنثروبولوجيا ودؤوبين في تقديم شروحات عن تركيبة
بلادهم باحثين عن حلول من خلال مقاربات الجغرافيا السكانية.
وأنا للحقيقة تعبت من محاولة فهم المعضلة
الجنوبية وفقاً لدراسات علم الاجتماع وسئمت ادعاء الحرص على الوحدة الوطنية مع أنه
في حقيقة الأمر لن أكون تعيساً في حال انفصل الجنوب. سئمت الحذر بشأن ما أحسه تجاه
الحركة الحوثية من توجس شخصي إزاء فكرة (الاحتقار السلالي) الذي أنا مقتنع بوجوده كركيزة
تقوم عليه هذه الحركة..
أصدقاؤك من الهاشميين سيمتعضون. وصديقك
في النظام السابق سيمتعض وأصدقاؤك الإصلاحيين لن يتفهموا وهناك قارئ يريدك واضحاً ولا
تكلفه عناء إيجاد رابط في مقالتك بين كمبروفتش والأيروتيك وأحمد علي والتابو والإصلاح...
ناهيك عن إمضاء ليلة في تحاشي جهد مثقف
قريب من الحوثيين وهو يقلبك بحثاً عن "العرق الإصلاحي" مع أنه فخ نتلوى فيه
جميعاً. ويحاول بعضنا البحث عن مثقفين وقراء وربما إيجاد خيار ثالث أو طريق ثالث وكلما
هنا لك أن أحدنا بحاجة لأن يكتب ربما ليعرف ذاته أكثر من معرفة بواطن أمور السياسة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق