محمود ياسين
عودة أحمد علي لقيادة المنطقة المركزي، وعلي محسن للمنطقة الشمالية، يذكرك بفكرة "يالله خارجنا من هذي المحنة"، كما هي عند القرويين وهم يبحثون عن السكهة من مرض عالق أو شريعة أو غريم، أو هو أشبه ببقاء سبب الشجار والضغينة.
صحيح أن القائدين سيخسران كثيراً من امتيازات
"الفرقة والحرس"، سواء المالية، أو القدرة على الفعل، غير أن بقاءهما على
هذا النحو سيبقى منغصاً على كل حال. ناهيك عن أن علي محسن إلى الآن لم يتخلّ أصلاً
عن وضعيته السابقة. وما يتسرب من عودة أحمد علي لقيادة المنطقة المركزية، سيجعله يتمسك
بتمرده أكثر، محاولاً استخدام عودته كذريعة.
مع أنه، وللأمانة، وحتى اللحظة، وبعد كل
الذي قلناه عن خطورة القائدين قبل الهيكلة، ورفضهما الانصياع للقائد الأعلى، إلا أن
أحمد علي تصرف كجندي، وسلم الحرس الجمهوري (القوة الضاربة)، بينما تصرف علي محسن كزعيم
يتعالى على أية زعامة أخرى في البلد، وعلى أية إرادة أساسية.
المشكلة الآن أن أنصار أحمد علي سيقولون
بلكنة ملعابة المجران: "ما حيركم إلا على أحمد علي". والأمر هنا ليس حير،
ولا انتقاء خصوم، بقدر ما هو بحث في الأوضاع الخاطئة، ورجاء في تجفيف منابع الصراع
والاستقطاب العسكري. وعودة أحمد علي لقيادة المنطقة المركزية، سواء سلم علي محسن قيادة
الفرقة، ورضي بقيادة المنطقة الشمالية فقط، أو لم يسلم، فإن عودة أحمد علي هي إعادة
للصراع إلى حيث بدأ بعد الثورة، وإن لم يكن على مستوى توازن القوى العسكرية، فهو يعيد
الصراع وأسبابه ذهنياً, ولو حتى من باب السقام. إذ يمكننا رفض إعادتنا إلى الحديث الممل
الذي كان قبل الهيكلة، والذي يدور كل يوم عن أحمد علي وعلي محسن.
وإنه لمن المفزع حقاً أن يكون قرار القائد
الأعلى بتعيين أحمد علي قائداً للمنطقة المركزية، مجرد رد على تمرد علي محسن، واستخدام
اسم أحمد علي كفزاعة، أو ضمين معادلة عسكرية جديدة بمستوى أدنى من المعادلة السابقة،
ولصالح سيطرة القائد الأعلى في النهاية, ذلك أن اسم أحمد علي مرتبط رمزياً بحالة صراعية
متجاوزة لخلافه وضديته مع علي محسن.
لقد تمكن أحمد علي من بناء جيش لم نكن نعرف
أنه بهذا التنظيم والقوة, وضمن استراتيجية تبعها علي عبدالله صالح في أيامه الأخيرة،
للانشقاق عن مكونات الدولة المخترقة عسكرياً وأمنياً، فبنى لنفسه جيشاً عصرياً هو الحرس،
وجهازاً استخباراتياً بالغ التخصص هو الأمن القومي. وقد ورثت الدولة الآن هذين التكوينين
القويين اللذين تم بناؤهما بإتقان على حساب الخراب الكبير لبقية مؤسسات الدولة.
تدعوك الشهامة، وحتى الموقف الوطني، لتقدير
تصرف أحمد علي بمسؤولية عندما تخلى عن هذه القوة الضاربة، في ذات الوقت الذي يدعوك
خوفك على وطنك واستقراره من إعادة أحمد علي لقيادة المنطقة المركزية.
ينبغي دفع علي محسن للتخلي بدون أية فزاعة
استقطاب جديدة. ونحن كشعب أو كأصحاب كلمة سنتحمل على مضض الحقوق السياسية المترتبة
على الحصانة، إذ لا يسعنا الثورة ضد قيادة أحمد علي مثلاً لحالة حزبية مؤتمرية بدرجة
ما, وسيجد من يناصره في حال كان عمله السياسي مجدياً لأي طرف. أما بقاؤه قائداً كبيراً
في الجيش، فليس من الحكمة بمكان.
يجب على الرئيس هادي دفع جميع رموز الأطراف
المتصارعة، بعيداً عن الجيش. يمكنهم التصادم بالأصوات الانتخابية، وبادعاء تمثيل حاجة
شعبية يمنية، على أن نقبل على مضض أيضاً أن يتصارع الورثة التاريخيون بأدوات جديدة
كالديمقراطية، لا أن نمنحهم جولة إضافية للصراع بالأدوات العسكرية.
صحيح أن القائدين في حال أصبحا لقيادتي
المنطقتين الشمالية والمركزية فقط، لن يعود احتمال صراعهما بتلك الخطورة التي كانا
عليها سابقاً، غير أنهما سيظلان محوري استقطاب داخل الجيش.
ناهيك عن احتمال أكثر خطورة وغير مستبعد
إطلاقاً، وهو أن تفضي بهما التحولات وتقلبات السياسة والتحالفات، إلى أن يتحالفا يوماً
في جهة واحدة ضد الرئيس هادي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق