محمود ياسين
نحن بصدد الهوية السياسية وافتقارها إلى التعبير التلقائي عن وجودها بغير إشارات توضيحية
،،،
كانت صوت العمال بلا طبقة عمالية تدافع عن قضاياها
،،،
أين يقرأ أحدنا عن حقوق المرأة، وفائض القيمة والاستغلال الرأسمالي وصراع الطبقات؟
قدِّم لأيِّ مثقف عربي صحيفة الثوري وانتزع منها (لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني)، لا أظنه سيتمكن من معرفة هوية الصحيفة اليسارية من خلال العناوين أو حتى من جملة الموضوعات أو حتى من صورة الدكتور ياسين سعيد نعمان القريبة من أحد تصريحاته السياسية.
إذ قد تقوم الثوري بنشر صورة عبدالوهاب الآنسي في ذات العدد، وكنا قد سمعنا كثيراً عن سهولة معرفتك بمطبوعات اليسار الفرنسي من خلال طبيعة الموضوعات والاهتمامات الرئيسية في الصفحة الأولى.
كانت الصحوة واضحة الملامح من خلال بروز تلك الآية قريباً من الترويسة (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم).. وما أن اختفت تلك الآية حتى أصبحت الصحوة شكلاً معارضاً للنظام السياسي ولكن بدون هوية، حتى بوجود لحية (الشامي) على رأس عموده من الداخل..
لا العناوين ولا طبيعة المقاربات والكلمات تشي ببساطة أن هذه مطبوعة إسلام سياسي..
نحن هنا بصدد الهوية السياسية وافتقارها إلى التعبير التلقائي عن وجودها بغير إشارات توضيحية من نوع (لسان حال) أو آية قرآنية تحت الترويسة.. أو من أقوال الزعيم الخالد كما تحاول مطبوعة يفترض بها أن تكون ناصرية..
للكيانات السياسية جملة قضايا حيوية مرتبطة بوجودها، قضايا لها علاقة بالبطالة أو أنماط التفكير المضرة والسوية معاً.. وغالباً ما تشتغل مطبوعات تلك الكيانات على مراكمة الاهتمام بتلك القضايا وتكريس وجودها من خلال وجود تلك القضايا.
حتى صحيفة صوت العمال لم تكن -أيام مجدها عقب إعلان الوحدة- لتفصح عن موقف ثقافي من جملة قضايا وطنية.. رغم شعارات العاصمة الخالية من السلاح إلا أنها بقيت على مقاس أولويات كيان سياسي مشارك في دولة وحدة مع آخرين لديهم سلاح أيضاً.
وكانت صوت العمال بلا طبقة عمالية تدافع عن قضاياها.. كانت صوت نخبة سياسية جنوبية لديها معسكرات وحالة عدم ارتياح لقبائل السياسة.. ضدية لا علاقة لها بيسار تقدمي إزاء مجموعات بدائية.. بقدر ما كانت صوت العمال أصبع تحذير إزاء أي محاولة لخيانة الشراكة..
الأسماء في صوت العمال مرتبطة بالمدنية والثقافة، غير أن الموضوعات المكتوبة تمثل حالة انحياز كامل ضد الجغرافيا السكانية ومدججة بذات المنطق الجغرافي.
وتشعر أن كراهية السلاح لم تكن موقفاً ثقافياً بقدر ما هو الإشارة لتهديد ضد نخبة تعيش في غير عاصمتها وبعيداً عن سلاحها..
إنها مطبوعات شركاء أو منحازين وفرقاء لا يجدون الوقت الكافي لترديد شعارات ضمن موجة واقعية سياسية (ساذجة نوعاً ما).. أو هي واقعية من رضوخها آخر الأمر للإفصاح عن كونها بغير قضايا حيوية أصلاً.. وفي منتصف الطريق لم يعد الإسلاميون قادرين على إبقاء الصحوة كشاهد على (تعنُّتهم الأيديولوجي)، وتداخلت اهتمامات الكيانات ببعضها حتى أن صحيفة كالثوري تنشر عنواناً عريضاً كتصريح لأحد قيادات الحزب (سيف صائل يرفع راية الإسلام).
أين العمال إذن.. وأين يقرأ أحدنا عن حقوق المرأة، وفائض القيمة والاستغلال الرأسمالي وصراع الطبقات.. وإن لم يكن بتلك الصيغة التقليدية فمن خلال قضايا حيوية قائمة الآن غير أنها ذات جذر له علاقة بجذر الحزب ذاته..
رؤساء تحرير المطبوعات المرتبطة بكياناتها هم أصلاً من مثقفي هذه الكيانات ومن حواريي جذورها الأيديولوجية.. باذيب من مثقفي الحزب الاشتراكي وهو رجل أيدلوجي عتيد، غير أن الثوري بصورتها الحالية مطبوعة معارضة فحسب.. لا شيء فيها اشتراكياً أو مبشراً بمبادئ العدالة ومدافعاً عنها، العدالة بما هي ثقافة وتنظير وليس إدانة لعدم تكافؤ الفرص الوظيفية. فإدانة عدم تكافؤ الفرص الوظيفية ستقوم بها مطبوعة تصدر عن (وول ستريت) وعن جماعة مالية أو شركة متعددة الجنسية..
نحن هنا بصدد اللغة واللكنة وجذر الاهتمام الرئيسي، وبالتالي (مستوى القدرة على الإفصاح عن هوية الكيان السياسي).. هل يمكنك إدراك أن المؤتمر الشعبي العام حزب وسط، أو حزب قوى تقليدية من خلال صحيفة الميثاق؟ هل تتبنى الميثاق- مثلاً- فكرة انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي، أو تحديث البلد وفقاً لحالة هادئة تراعي جذور المجتمع المحافظ.. لم تحاول الميثاق من خلال أدائها المستمر خلق حالة حزبية داخل المؤتمر.. ولم تفصح عن هوية حزب حاكم لديه اهتمامات معينة وجملة أولويات بعيداً عن الاستعداد الدائم لتفنيد مزاعم المشترك وخطاباته (الجوفاء)..
أيام ناصر يحيى كانت الصحوة إخوانية نوعاً ما، وكانت شخصية ناصر القاطعة التي تنفر من التسويات وأنصاف المواقف قد جعلت من الصحوة مطبوعة إسلام سياسي نوعاً ما. وبكل ما فيه من تجريدية وامتلاك للحقيقة.. وبقي ناصر يمانع محاولات دماغ الحزب في أن يبدو بقضايا شاملة، وبطريقة تفكير متسامحة أيدلوجياً..
لم يصل ناصر يحيى إلى مرحلة خلق قضايا للحزب من خلال صحيفة الصحوة.. لكنه بقي وفياً لما علَّمته إياه حلقات الإخوان وعبر عنها من خلال ذلك الإلحاح على استعراض جولات المؤامرات الشرق أوسطية ضد الحركة الإسلامية في أكثر من بلد..
وعندما جاء نبيل الصوفي لقيادة تحرير الصحوة، حاول من خلال الصحيفة نقل التجمع اليمني للإصلاح إلى مربع رؤيته هو عَّما ينبغي أن يكون عليه الإسلام السياسي وما اتفق عليه ضمناً مع قيادات التنظيم، غير أن التحديث هذا أمر وما ينبغي أن تقوله الصحوة أمر آخر..
كان نبيل علمانياً دون أن يدري، وانتهى إلى حالة صِدام مع كل الذي يسعى التجمع لتحاشيه وعدم الإفصاح عنه..
مطبوعة إسلامية لا يريد فيها نبيل أي (حالة وعظية)، وتحت مبرر تجاوز هذه الحالة الوعظية أصبحت الصحوة منشوراً ذكياً وصحيفة بلا عقد أيديولوجية ولا آية تحت الترويسة.. أصبحت صحيفة أكثر انفتاحاً وأهمية، لكنها ليست صحيفة التجمع اليمني للإصلاح.
* نُشرت في مجلة "صيف"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق