محمود ياسين
تتسرب الأيام والترهات على قدم وساق.
ترهات السياسة والصحافة والمزيد من الأكاذيب،
ونحن نعرف أن هذا محض كذب وفشل، وأننا لم ننجح كثوار، وأخفقنا حتى في الحصول على تسوية
وأمان مترتب على التضحية بالثورة، وقبلنا، وها نحن مهددون بالانقسامات والصراعات المسلح.
لقد تجرعنا التسوية، ليس لكي لا يتقاتل
الحرس الجمهوري والفرقة فقط، ولكن لننجو من ضروب التهديدات المسلحة.
ثمة تسويات قد تفضي لحروب، وهناك ثورات
مكتملة هي من وضعت حدا للاقتتال الداخلي.
تجرعنا هذا هذا المستوى المتقدم من الوصاية
الإقليمية والدولية للحؤول بين علي عبدالله صالح وتفجيرنا بقنبلته الأخيرة.
وكأننا البقية من حوثيين وإصلاحيين وحراك
وقبائل، كلنا مسالمون ومجاميع تعمل في منظمة السلام الأخضر.
وكأن رحيله جاء لصالح الجماعات العنيفة
التي ساهم الرئيس السابق في تنشئة بعضها وتسليح البعض الآخر.
يمكنك التخلص من رئيس، لكنك لا تتنبه لتعذر
الخلاص من ميراثه.
ناهيك عن الخلاص أولا وأخيرا من سطوة الجماعات
والسلاح، وهذا العيش تحت رحمة الاحتمالات والقدر الذي على هذا الشعب التضحية به ليرضي
جماعات العنف والطموح، ويسلم من نزق سلاحها وهمجيتها.
"هو ذا الذي يا صحابي، ذي ما حسبنا
حسابه".
هناك جانب شخصي مقابل هذه الوضعية المربكة
تماما، وفي حال تماهينا مع الإخفاق العام فنحن نستسلم لقدر ما بعد الثورات، حيث يتكاثر
المحبطون في عزلتهم وشائعات أمراضهم النفسية.
أصلا كل الثورات تقع بيدي جموع المدعين،
ويتحول المزاج العام الى ضرب من الغوغائية ومحاصرة كل ما هو نزيه وحقيقي.
لطالما خشيت على فتيان الساحات من أمراض
ما بعد الإخفاق الجماعي الكبير، ثمة من يصاب بالصرع، وآخر يختار التفاهة معتقدا أنه
أصبح واقعيا تحت تصرف من خذلوه، وهناك من يرجم نفسه الى قاعه الشخصي، متخليا حتى عن
الرثاء.
كنت ألحظ مرور ثوار من سبتمبر يقدمون عرائض
حاجاتهم لمشائخ وملكيين يتصرفون بمقدرات الجمهورية، وكان الجمهوريون الحقيقيون أشبه
بجماعة هاربة من موجة تطهير عرقي، وهذا العالم غير عادل، ولنعترف أننا كنا من السذاجة
بمكان جعلنا، أو جعل أحدنا يبقى في الساحة راضيا بخيمة دورين، لا أدري كيف خيمة دورين،
خيمة غير مفهومة، يبيت فيها متحسساً رائحة ثورة، وراضيا بالخيمة مقابل استشهاد أخيه.
لقد شاركنا في السذاجة النهائية، وفي هذه
المحصلة الثورية التي تفرك يديها الآن لاستكمال الحكاية المعروفة، حيث تقوم بمهمتها
الأخيرة في دفع الحالمين للعته والأمراض النفسية، ناهيك عن توظيف البعض في التعامل
مع قذارة الكبار.
المخاتلة هنا جيدة، يمكننا مغالطة هذه الورطة،
والفكاك من مزاج السجن الكبير الذي حفرنا أساساته معتقدين أننا بصدد تشييد الفردوس،
لكن هذا هو الحال، وما تبقى لدينا غير المخاتلة. مخاتلة هذا العالم المغلوط الكئيب،
يبحث عنك ليتأكد من وجودك في الاكتئاب العام، وكأننا جموع في مستعمرة القدر الشاحب.
لا، هناك على الدوام ثغرة في الأسلاك الشائكة.
تواجد حيث لا يتوقع هذا العالم البيروقراطي.
تواجد في المرح حينما يشرع العالم في توزيع
مزاج السجن.
ارقص حينما يقدم لك قائمته اليومية بخسائرك.
وإذا ما فاجأك وأمسك بتلابيبك، فأخبره أنك
كنت تمزح، وفي أعماقك سيتردد صوتك المتهكم: "ستشيخ أصابعك أيها العالم التافه".

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق