الجمعة، نوفمبر 30، 2012

المزراب


محمود ياسين

تستحضر شخصية بلادنا الآن ولا يحضرك غير الارتباك, مثل الذي لا يدري ما الذي يفعله بحرية بين يديه ووجد أنه لا يدري ما الذي تحرر منه بالضبط.

هل تحررنا من علي عبد الله صالح ومن فساده؟

لقد وعدنا الناس بالكثير وأنا واحد من الذين اعتلوا منصة ساحة جامعة صنعاء وكنت متأثراً للغاية بجموع المتفائلين وهم يتلقون ثناءً على خروجهم وتأكيدات قاطعة بقرب الخلاص.

والآن يقلب الناس أيديهم في حالة من الحرج؛ ذلك أنه لا أكثر تعرضاً للحرج ممن تحمس وراهن ثم لا يدري ما الذي حدث بعد ذلك.

والحرج القائم هنا هو في عدم الدراية بالذي كنا نريده على وجه الدقة.

الذين يديرون حياة البلاد ليسوا تلك المجموعة الشريرة التي خططت لكل صغيرة وكبيرة ووصلت الآن لما كانت تخطط له.

لقد استسلم الجميع لما يترتب على التداعيات, وهاهم الآن يتعاملون مع حرية بلا شخصية. لو كانت من القمع والديكتاتورية لفرحنا الآن بالديمقراطية والحزبية غير أن لا أحد اعترف في قراءة نفسه وأمام حشود الثوار أن الغرض هو الخلاص من الفساد والتخلف السياسي, لذلك هم بحاجة إليه الآن وكاننا فقط تحررنا من فكرة الدولة لتنفتح البوابة على مصراعيها أمام ديولة مجزأة بين مجاميع.

لم يخططوا لشيء, وكان المشروع الثوري كله يدور حول التخلص من علي عبد الله صالح, والأمور ستنضبط من تلقاء نفسها.

ولقد أسقط الآن في أيديهم كمجموعة حاكمة لا تدري كيف تتصرف ولا كيف تتكيف مع وضعيتها الجديدة والحال أننا ننتظر شيئاً لا يمكن تحديده.

ذلك أننا لن نحصل على النقود ورزق ما بعد الثورة هكذا فجأة بسبب من كوننا بلداً فقيراً أصلاً.

والانتخابات التي بلا تدخل من علي عبد الله صالح ولا نقوده لن تفضي لصعود قوى جديدة, كان التزوير ونقود الرئيس السابق هو ما يحرمها من الصعود وتمثيل الشعب.

حتى المزايا الديمقراطية بدون تدخل البنك المركزي ستحصدها القوى الجاهزة للانتخابات.. ومجتمعنا في الأصل لن يدفع بنخبة جديدة قد تحكمه لأنه تحت تأثير رموز هذه الأحزاب والقوى التي كانت شريكة في العصبة الديمقراطية..

وأصبح الوضع الآن جاهزاً لديمقراطية تقسيم البلد وليس تحديثه, كان علينا من البداية تحديد مشروع التحديث أولاً وتحديد جريمة علي عبد الله صالح في فكرة الفساد غير أن قوى الثورة التي تماهت في شخصية التنظيمات السياسية والشخصيات الغاضبة من صالح تركت لهذه التنظيمات والشخصيات معاقبة صالح وفقاً لجرائمه ضدها وسحبت قوة التغيير واستخدمتها للامتصاص الشخصي من طبع علي عبد الله صالح في أيامه الأخيرة.

وحينما جلس الرجل في بيته شعروا بالرضى ويريدون لنا أن نتمتع كشعب بمزاجهم الراضي هذا مع أننا لم نكسب شيئاً, بالعكس, لربما خسرنا طاقة التغيير التي يشعر الكثيرون تجاهها الآن بحالة من خيبة الأمل.

لو كان فساد صالح وإضعافه لفكرة الدولة هي ما ثرنا عليه لحصلنا على قوة سياسية تمثل النقيض لتلك الحالة, ولما هدأ هذا الشعب إلا وقد تمكن من تحقيق جزء من هذا الحلم.

لكن الأمر من أوله كان حالة جماعية من انتفاء نصيحة المثل الشعبي (نقلب المزارب) أو على الأقل (من هذا المعلق لهذاك المعلق ويفرجها ربك).

نحن الآن في المزراب. وربك لم يفرجها وهو لا يفرجها بدون قطع مسافة في طريق الخلاص الحقيقي حيث يمكنك الحصول أثناء تعبك على ذلك الرضى من كونك في طريق الخلاص ولست عالقاً في قلبات المزاريب.

نحن ندرك أن العاهة الأم هي التخلف.. ولقد استخدمنا كل أدوات التخلف وخلعنا رئيساً سيئاً لنعلق بعدها في كل مساوئنا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق