محمود ياسين
تدور هذه المقالة حول تساؤل أقرب لرجاء
عن إمكانية تعافي الرئيس الذي بدا في كلمته الأخيرة كأنه يتماثل ويفارق بعضاً من هواجسنا.
كتاباتنا غير ثابتة تجاه رئاسته، لأنه ليس ثابتاً.
لكنني متفائل الآن، وقد بدت لي كلمته الأخيرة
أشبه بيقظة ومحاولة خروج.
كنا خائفين من جلال، واعتماد الرئيس على
أبين كبديل فقط لسنحان، وكأننا انتقلنا من دولة القبيلة إلى دولة البدو.
في كلمته الأخيرة ثمة رئيس يكاد يكتمل،
ويمنحنا الحق في التناقض معه عندما نكتب متشائمين من أدائه وتورطه في المحاصصة وتملق
المشترك، والمبالغات الجنوبية وتملق بن عمر وتبني الفيدرالية.
وكانت تتسرب جملة إشارات لوقوع الرئيس في
قبضة رواسبه النفسية، مستبعداً كل تعيين أو وظيفة قيادية لخصوم يناير.
كنا خائفين من مؤتمريته في البداية، ثم
ارتبكنا من مبالغاته في أن يبدو مفارقاً للمؤتمر، ليس بهدف الاقتراب من المسؤولية الرئاسية،
ولكن بهدف الاقتراب من المشترك واللواء علي.
لا نزال خائفين مثل أم ليس لديها غير ابن
يرفض أن يكبر.
لكنه بدا كبيراً في كلمته الأخيرة، وتحدث
بلكنة ثقة، ومضامين بقدر ما هي إيجابية، بقدر ما تدفع المتابع للتساؤل عن مبعث هذه
الثقة، وكأنه تعافى فجأة من جملة كوابح لها علاقة بالمعضلة السياسية أولاً، ومرتبطة
بمزاجه الشخصاني ثانياً.. فأنا على قناعة تامة من أن الشخصانية قد لعبت دوراً أساسياً
في معاركه الأخيرة مع أكثر من طرف.
وأذكر الآن كتابات كثيرة لمثقفين كانوا
قد أظهروا مساندة لهادي، كونه وإن جاء على عاتق التسوية والمبادرة، غير أنه بدرجة ما
أصل لقوة التمثيل الشعبي، وضمن كتابات تحرضه على تكريس قوة الدولة على حساب مراكز القوى،
غير أن هذه الأقلام جنحت لخيبة الأمل، وها نحن نحاول مجدداً البناء على كلمة رئاسية
بالغة الأهمية.
بدا الرئيس قبل البارحة وهو يكاد أن يكون
الرئيس.
كلمة متماسكة تنبئ بمعافاة ما من كل الذي
أربكه، أو من قوتي التشتيت، والتي أمضى فيها وقتاً طويلاً يحاول من خلال معافطة الرئيس
السابق، وكأنه يسعى لتجاوز ما ارتبط به من شائعة "النائب الضعيف"، وكأنه
بتلك المعارك يريد إقناع نفسه أنه أصبح الرئيس، وإقناع صالح بما مفاده "لم أعد
نائبك". الثانية كانت تشده لجنوبية الهواجس والعقد النفسية، ممثلة بهاجس أمني
يقلق جنوبياً في معسكر صنعاء، وضمن توجس جنوبي خالص بقي من يناير 86، أضف لذلك كله،
ظلال علي محسن والمشترك، وتردده بين التنبه لخطر علي محسن، وبين الحاجة إليه للتعامل
مع الشمال، كون اللواء علي يملك مفاتيح الشمال العسكري القبلي، كما يظن هادي.
وكان في ذلك كله يستند على حائط الدعم الدولي
والإقليمي، ويحاول بجهد مكشوف أن يبدو ثورياً هو الآخر، ولو بالثناء على شباب الساحات،
وإطرائهم، حتى يتخلص من ظلال المعسكر الذي جاء منه بكسب رضا الفاعلين الجدد، وبالتحديد
الأصوات العالية للزمن الجديد.
كنا خائفين من ضعفه الشهير أيام كان نائباً
للرئيس علي عبدالله صالح، لكنه البارحة في المحصلة بدا بكلماته ومضامين الخطاب، مفارقاً
لبعض هواجسنا.
هي أصلاً كلمة "نائب رئيس" متهمة
بالضعف وفكرة اللادور. هادي محير نوعاً ما، وقد يبدو صارماً وبالغ القوة في خصومة مع
سلفه، ثم يتسرب ما قد يشي بضعف رئاسي مع علي محسن أو المشترك، وهذا قد يغضبه ضمن مزاجه
الشخصاني، غير أننا نقول له أو أنني أقول له أنت الآن أقرب لما نريده ونحتاجه كرئيس.
استطرد كأنه بدا أنيقاً في حالة معافاة،
وهو يتحدث عن كونه رئيس اليمن الواحد، دون أن يبدو كمن يتخلى عن جنوبيته، لكنه بتلك
الكلمات تخلى عن قوة الشد الشخصية تجاه الجنوب، والتي كانت تجعل منه جنوبياً في معسكر
صنعاء، وليس رئيساً للدولة.
لا أريد أن أبالغ، غير أن هذه الكلمة الرئاسية
مثل قادح لنشوة أمل بحالة رئاسية مفارقة للمضي، على إيقاع الأزمة التي جاء منها هادي.
ذاك الأمل برجال دولة يدينون لمهمة بناء
وملفات وطنية، وليس لاستحقاقات وترضيات محاصصة أو استبعاد ثأري.
ينبغي أن ينشأ للرئاسة قوام وطني مكرس وفاعل
ودؤوب. وقوام للرئيس أيضاً.. يمضي على إيقاع مهام، وليس على ضوضاء تجاذبات.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق