الأحد، يونيو 13، 2010

نتجول في الشوارع ولا أحد يعرفنا


محمود ياسين
sayfye@gmail.com

أكتب وبودي لو أشعر أن ما أكتبه سيحدث فارقاً. ربما في حياة رجل متورط في أشياء يمكنه الخلاص منها، أو أن تحدث كتاباتي فارقاً في طريقة تفكير الرئيس، كأن يغمغم: هذا صحيح. هناك ما يمكنني فعله كرئيس- هناك ما يمكن فعله لأجل هؤلاء المتعبين الذين يكتب عنهم هذا الصحفي.

أو أن تجهش عانس بالبكاء، وتشعر أنني إلى جانبها، وأن بوسعها الكف عن القشعريرة (حد وصف قارئة ما كتبت تعليقاً فيه قشعريرة). عادة ما يفضي الشعور باللا جدوى إلى السأم الذي يفضي بدوره إلى أكثر الخيارات سوءاً.

وأنا لا أريد أن أسأم بعد، ولا أريد خرض صدامات مع نفسي حول ما ينبغي وما لا ينبغي بشأن الكتابة،لا أريد أن أكون غامضاً أيضاً. ثم إنني كتبت مقالات واضحة للغاية، ولم يترتب عليها شيء عدا إعجاب بعضهم بأسلوبي، وأنا بحاجة في حقيقة الأمر أن نحدث فارقاً. كل الذين نقوم بالكتابة ينبغي لنا الحصول على أثرٍ ما لنتمكن من الاستمرار.

سئمت تأكيد القدرة المحضة على الفعل الثقافي والاستمرار. سئمت الإشارات للأحزاب وللسلطة، سئمت الرثاء.

وإن لم يتحرك شيء في بركة اليمن الراكدة عن طريق الصحافة، فيا ترى من يمكنه القيام بذلك؟

بدا لي وأنا أفكر مؤخراً أن الرئيس لا يقرأ، أو أنه لا يثق بنا جماعة الصحافة والكتابة. ولم أسمع أنه استدعى أحدهم ليناقشه فيما ورد في مقالته، أو أنه تساءل. هل هذه التقديرات صحيحة؟ وكيف بنيت رؤيتك وتقديرك لحجم الخطر الذي تمر به البلاد؟

يبدو أن لا أحد في اليمن كلها يثق في العلم، وتداعيات رؤيته لنمط سير الحياة العامة. أو أن يقوم رجل أعمال بترتيب بعض أولوياته وفقاً لقراءات اقتصادية.

إنهم يكتبون، يكتبون جميعهم ويحصلون على ذلك الأثر المعروف الأقرب إلى إثارة الاستياء وربما الرضا أحياناً، غير أنه لا أحد يثير القلق بشأن ما يحدث في البلد، وأن يكون في الوقت ذاته كاتباً لديه رؤية وليس صديقاً لأحد.

ولقد قام الجهل مؤخراً بزج الكتابة في خنادق الماضي. سلاح جديد في معركة استقطاب تاريخي لا يعرف الكلل.

ما بين وكالة سبأ والبيت كنت أذرع الطريق المملة ذاتها، وأنا أحلم أن قارئاً يتصل ويقول لقد جعلتني أتغير وأرى، غير أن هذا لم يحدث، وكل الذين أبدوا انطباعاً جيداً إزاء ما أكتب، وأخبروني بذلك هم في الغالب مستفيدون فيما يبدو من هذه المقالات –ليس من المعلومات أو المقاربات التي تتضمنها ولكنه الأثر السيئ الذي قد تحدثه المقالة في مزاج شخص أو جهة.

أتنقل بين القارئ وأثر المقالات على النخب- وأتحدث عن قشعريرة العانس وخيارات الرئيس، لأن هذا هو الحال في العمل غير المتخصص.

ونحن لم نتمكن بعد من العمل والكتابة المتخصصة، كما يحدث في كبريات صحف العالم أو كما أظن الأمر.

نحن نكتب لدافعي العربات المتجولين، وعن متسولي الجولات وضروب الإذلال واليتم، ونكتب أثناء ذلك لأمناء العموم وللرئيس دون أن يحاول أي من هؤلاء جميعاً البحث فيما إذا كان هذا الذي نقوله ونقترحه قد يحدث فارقاً.

عندما كنت في مجلة "نوافذ"، ويصادف أن يسألني سائق تاكسي عن مهنتي وأخبره أنني صحفي بمجلة نوافذ فيتساءل: نوافل؟

هو يعرف "الثورة" ويسألني أحدهم عن علاقتي بياسين المسعودي، على اعتبار أن اسمي محمود ياسين فأقول له: أبي ياسين المسعودي أبي. قراؤنا قليلون أصلاً لكأن الحزبيين وحدهم من يعرف شيئاً اسمه "الثوري" أو "الشارع".

أما القراءة كحالة واهتمام في صلب حياة وأولويات اليمنيين فذلك مستبعد كليةً. لم يصل محمد المساح إلى أحد في المنافي البعيدة والقرى النائية، وبقي في الوسط الصحفي ذاته نموذجاً لأصالة وموهبة الحظ العاثر، وشاهداً على تردي بلد وعلى مدى اتساع الهوة بين واقع الحياة اليومية وبين الأنا الثقافية.

نتجول في الشوارع ولا أحد يعرفنا، بما في ذلك الذين ينشرون صورهم بربطة عنق وابتسامة.

لا أحد يعرفنا عدا السياسيين الذين يعاملوننا مثل فتيات شارع جمال، بين من يغمز ومن يفتح الباب ومن يبحث عن مجال.

صحية المصدر
13 مايو 2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق