الأحد، يناير 19، 2014

أبصرت يا أخبل؟


محمود ياسين

لا ندري ما الذي فعلته الثورة بحياة الناس، ولا يمكنني شخصياً ترتيب الأسى الذي أصادفه في كل خطوة مع رحيل علي عبدالله صالح.

أمست حياة بعض الجنرالات جيدة، وقد تخلصوا من عقبات جنرالات سنحان، وفتح أمامهم مدى لامتناهٍ من الهنجمة وفكرة الفندم الذي لم يعد يترصده أحد، فهو يفسد لنفسه، ولم يتم إلى الآن تأطيره ضمن مجموعة يتم رصدها ومحاكمة فسادها، وهذا الوقت بين رحيل صالح وتأطير مجموعة بديلة نلاحقها، هو وقت كافٍ لثراء فاحش وحكايات وأرقام مفزعة، حيث الزمن الرخو يمنح الفساد شكلاً شخصياً وسقفاً منزوعاً يمكن المحظوظين من أخذ ما تطاله أيديهم...

يبدو أن الضمير العام معطوب بدرجة ما، ومختل المقاييس، ولا يمكنه كراهية اللصوص إلا بعد مرور عشرات السنين، عندما تتكون ضدهم حالة عدائية جماعية على عاتق الكيل اليمني الواسع الذي يأخذ وقته ومداه إلى أن يطفح، أو اتهامهم كقائمة لا أحد يشبه اليمنيين في تحديدها مناطقياً، متهمة بالاستئثار والنهب وما شابه. أما أن تسرق منفرداً في العتمة، وليس لديك منطقة كريهة ومتهمة، فأنت محظوظ بالعتمة، حيث لا ترصد رادارات الخلق اليمني الخطأ إلا في حالة تلبس مناطقي.

كنا قد حصرنا الاستئثار بالرتب والبند الإضافي والتعيونات والجنرالات وصفقات الأسلحة، في تحالف يطلق عليه عبدالرحيم محسن "عسقبلي"؛ عسكري قبلي مركزه سنحان، موزعاً بنسب القوة، ومستوى التحالفات في مركز السلطة صنعاء وضواحيها، وكان الغطاء السياسي المتهم هو المؤتمر الشعبي العام. فما الذي حدث؟

وكيف يبلغ أحدنا ما يسعه عن بذخ وزارة الدفاع الآن، والكرم الوحشي الذي يتمتع به محمد ناصر تجاه نفسه، دون أن نجد إلى الآن الوقت أو المبرر المناطقي للتساؤل: من أين هو محمد ناصر أحمد؟

لقد تبددت مكاسب الحظ العسكري السنحاني على يمن مبدد الولاءات والانتماءات، وتبدد الجيش هو الآخر على مقاس تفتت نواة الولاء الوطني، وأصبح علينا انتظار مفاجأة عبد ربه لنا، وهو يتجاهل مخاوفنا هذه، ويقوم بأشياء صامتة ستجعله يقول لكل المبالغين المهولين عديمي الخبرة، وقد حل كل المعضلات، ما مفاده: أبصرت يا أخبل؟

على طريقة ذلك العاقل الذي يتبع تدابير يراها الأفراد تفريطاً وتساهلاً، وتتعالى أصواتهم المخدرة، بينما يلتزم العاقل الصمت، ويضمر حرصاً بعيد المدى، يستخدم فيه تفريطات تكتيكية تبدو الآن كارثية. شخصياً: أخشى أن نغرق دون أن يقول لنا هادي في اللحظات الأخيرة: أبصرت يا أخبل. وينقذنا أثناء تلك المفاجأة، فهو قد يغرق قبلنا في حال أنه بالفعل لا يسيطر البتة على أي من هذه الانهيارات في الأجهزة العصبية للدولة المريضة.

لقد تشتت هدف الضمير الأخلاقي، ولم يعد يجد متهماً حصرياً، لا كفرد ولا مجموعة، وبين الإصلاح والجنرالات الجدد والمشترك والمحظوظين وباسندوة، وحتى توكل كرمان، تتوزع حالة هم عام مهيض الجناح، ومشتت، لا يريد الإحساس، إضافة للعذابات، بأنه كان ساذجاً أيضاً. هذا ربما عند مجموعة الأصوات العالية على الأقل، والتي علقت بين التبشير بالحل السحري الناجز فور خروج صالح من دار الرئاسة، وبين تشوشها السياسي الذي يصل درجة المرض، وكأن عليها ابتلاع لسانها الذي كان، متجنبةً مزيجاً من الحرج، واستمرار وجود صالح، وكأنه سيعود لدار الرئاسة فور اعتراف هذه الأصوات بالإخفاق الكبير.. إذ إنه ليس من المعقول أن تحظى جملة هذه الأخطاء المفزعة بالتواطؤ والصمت فقط، حتى لا يتشفى الرئيس السابق.. وإنه لمن الغريب حقاً أن يخشى البعض عودته بطريقة ما، وأن يقتنعوا بدفع البلد كله ثمناً لعدم عودته.

يدور الفعل السياسي بدرجة ما في جو من البدائية، ودوافعها وحيثياتها، وضمن مزاج كأنه نتاج حب وكراهية مناطقيين وحزبيين، وعلى قدر كافٍ من السذاجة.

هو لن يعود، وإن تشفى، فذلك حقه كإنسان حصل على بدلاء سيئين خلفوه، وجعلوا من كل خياراته أقل سوءاً، ولو من وجهة نظره وحده.


وضعيتان مركزيتان للزمن الجديد، هما: حالة شعبية بالغة السوء، تلمس فيها تغولاً للفقر والبطالة وانعدام الأمن، والثانية تهديد النواة الفكرة التي اسمها "اليمن"، حيث لم يعد أحدنا قادراً على الجزم كلية أنه سيبقى على المدى المنظور يستيقظ في كيان كامل اسمه اليمن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق