الخميس، مايو 08، 2014

عبدالكريم


محمود ياسين

فاض كيل عبدالكريم الخيواني من تصبره على التواجد بشخصية الصحفي الحقوقي، والتي كانت مؤخرا تحولت لعبء يضغط على مضمر هويته وجوهرها، فأعلن البارحة بلهجة "شل قرشك تعبت"، أنه هاشمي يناضل لاسترداد حقوق عائلية بضمانة سلاح الحوثي، هكذا صراحة قالها "لكل ضمانته". ولقد تبين من إعلان البارحة أن الخيواني لا يمكنه تعريف نفسه بوصفه يمنيا ينشط في مجال الصحافة والحقوق، ولكن بوصفه هاشميا. تحدث هكذا صراحة عن مظلمة الهاشميين، في سياق متعجل يحصر هذه المظلمة في "استبعادهم عن حكم اليمن".

نحن كنا نظنك زميلنا، وكتبنا حتى وقت متأخر عنك، وفقا لهذا الظن، ولم نكن ندرك أنك من أيام "الشورى"، تضمر هذا الذي أعلنته البارحة من كونك هاشمياً يعلن بلا حذر اصطفافا عائليا لا يريد اليمنيون أن يكونوا بمواجهته سلاليا ولا طائفيا، بقدر ما هم ملزمون بالدفاع عن هويتهم بوصفهم يمنيين، وليسوا سنة يقدمون وطنهم هبة اعتذار لعائلة أقصيت عن الحكم.

يتساءل عبدالكريم: "ماذا لو رشحت نفسي للانتخابات؟"، ويضيف: "أو أي هاشمي آخر؟". يجيب على نفسه أننا سنحرمه من ذاك الحق بتهمة نية عودة الإمامة. كان لدي إجابة ما، وهي أننا سنناديه لو فاز في الانتخابات "سيدي الرئيس"، كما ينادى أي رئيس حظي بثقة الشعب، بوصف اللقب بروتوكولا مستحقا، وشكلاً من التهذيب مع ممثل إرادة شعبية يعطى هذا لأنه اتكأ على حق المساواة، وليس الميراث.

هو قد أسهب في حديثه عن الظلم الذي تعرضت له "الزيدية "و"الهاشميون"، دون أن يجد الحس الحقوقي والوطني الكافي لأن يخطر له ما الذي سيقوله المسكين في تهامة إزاء هذا النوع من التظلم الأرستقراطي الذي يفصح عن مفهومه للعدالة باعتبارها منحه الحق والتفهم الكامل لأية طريقة ينتهجها لاستعادة الكرسي، وليس لاستعادة إنسانيته المهدورة.

مناقشة تعرض الزيدية للظلم، تبعث على الدهشة من حيث المبدأ، وكيف تشرح لعبدالكريم أن الزيدية القبلية هي من أقصت الزيدية الأصولية العائلية عن الحكم، وليست الحركة الوطنية من قام بذلك، وليس هذا رجاء وطنيا أن يعفينا عبدالكريم من ثأريته المندفعة الآن بوهم الظفر والتمكين الوشيك، ولكنها حقيقة ما جرى في هذه البلاد التعيسة، وربما عليه أيضا إدراك أن ما تقوم به حركته من تمدد في المنطقة المركزية، هو استراتيجية من يحاول إعادة موضعة المنطقة المركزية بوصفها مركز الغلبة والحكم بهذه الغلبة، وليس بالصناديق.

لا أدري، إضافة لكوني مفجوعا بكل الأيام التي قضيناها أمام زنزانة عبدالكريم، يخبط أحدنا رأسه على القضبان، استياءً من اعتقال زميل نتلمس في خفقات قلبه وجيب القلب الإنساني الحقوقي، والذي فيه من روح غاندي ومارتن لوثر كنج، ولم نكن ندري أننا نبكي مظلوما هاشميا يرى في كل منا أبا مسلم الخرساني.

حتى إنني كنت أمازحه أحيانا في حال اتصلت من رقم تلفون لا يعرفه، قائلا:

معك الأشتر النخعي..

ونضحك مما نظنه تحويل تهم علي عبدالله صالح، إلى مفارقات. ولم نكن نعرف أن المفارقة كانت حقيقة أفصحت عن نفسها الآن بهذه القسوة. هل لهذا الإفصاح علاقة، إضافة لراحة "كن أنت"، هل له علاقة بحمى منافستك للبخيتي مثلا؟

في لهجته بالمنشور الأخير عتاب، امتلك عبدالكريم الانفعال الكافي ليعاتب، وكأننا نحن الكتاب الذين قاسمناه التشكيك في دوافع حروب صعدة، بدافع من رؤيتنا لعلي عبدالله على أنه شر محض، وكأننا نحن من خان شخصية المثقف الحقوقي المنحاز أصلا للإنسان المحروم من حقه في المواطنة، وليس هو الذي حدد مؤخرا انحيازه لإنسانية الهاشمي ومظلوميته الأرستقراطية، بوصفه استبعد عن الحكم، وأصبح من حقه الآن استعادته بضمانة سلاح الحوثي.

من خان الآخر يا عبدالكريم؟

نحن نكتب بضمانة من التزامنا كيمنيين، وبشجاعة قلوبنا التي تتعرف الخطر، لكنها لا تخافه، ولا أدري من أين أتيت بالإشارة إلى أننا بصدد خوف شخصي.

أما أنت، فتسوق بمنشورات متعافية عائليا، تسوق لأمراض، وبضمانة من وهم التمكين الذي يضللك، ويدفعك أخيرا لأن ترتاح من عناء احتمال شخصيتك الحقوقية التي أرهقتك طويلا، مثل من يرتدي بنطلوناً ضيقاً، لتظهر الآن مستريحا في قميص التمكين العائلي.

لسنا سنة يا عبدالكريم، وإذ نستشهد بإقصاء الزيدية القبلية للزيدية الأصولية العائلية، فتلك شهادتنا كيمنيين نرجو وطناً تحكمه الديمقراطية، وليس محصلات الغلبة بين فئات منطقة الغلبة.

نحن يمنيون.

واليمن الجمهوري لم يحصركم كعائلة منفية، فلا تبشر بهذا الفرز البغيض.

سؤال يا صديقنا الذي كان:

ما الذي تعنيه عندما قلت: وعندما رشحنا مقبل في انتخابات 99، قالوا بطنين.

من قال هذا؟ ومن رشح مقبل؟

ما يتبقى من المنشور أكثر، هو رسالة تقول فيها: نحن الهاشميون، وحقنا استعادة الحكم، ولدينا ضمانة الآن.

من يجد الآن الاكتمال الأخلاقي وحس العدالة الكافي وتسمية ما حدث العام ١٩٦٢ على أنه مظلومية الهاشميين بعد ثورة سبتمبر؟

كيف يمكن لأحد الآن، وهو يرى اندفاعة مسلحة تتظلم بتجاوزات ما بعد ثورة سبتمبر، ومصادرة أراضٍ، لكنها لم تكن مذابح ضد الهاشميين، عقب ثورة وجد الناس فيها هويتهم، وارتجلوا أهازيج متهكمة ضد السيد اللقب، بما يمثله من علاقة طازجة بحكم لم يكن اليمنيون يجدون فيه كرامتهم؟

هل سيقول أحد هنا: أنت إذن كنت تريد مذابح ومشانق ضد الهاشميين؟

لا، وما حدث من تجاوزات السنوات الأولى عقب سبتمبر وأثناءها، لا يمكنه التحول الآن لمعضلة سياسية لا تجد اليمن كيف تصنفه أو تحكم فيه.

والآن أيضا، ليس بوسعنا تثمين تلك التجاوزات التي لم تتحول لاحقا لحالة نفي أو اضطهاد مستمر لعقود، ليتحدث بعضهم الآن عن عدالة فادحة تحددها بنادق الحوثي وتضمنها.

حتى إنه من غير الحكيم فرز الأمر الآن هكذا، وترديد مصطلح وتعريف "هاشمي" كاستحقاق مسلح ينبغي البناء عليه للوصول لتسوية.

لدينا حركة مسلحة اسمها أنصار الله، وهي تهدد المتبقي من فكرة الدولة، وسلاحها أمسى الآن قيد الاستخدام كضمانة لمن يحاولون تعريف المظلومية بوصفها استبعاداً عن الحكم، وتعريف السلاح بوصفه ضمانة.

ثمة من وجد في الحوثية تعريفا لهوية مظلومة بالإقصاء، ويريد منا الآن الاعتراف أن ثورة سبتمبر بمجرد قيامها كانت ظلما.

ويريد وضعنا في جانب آخر مقابل لعائلة ومناقض لها، ونحن يمنيون، ولا نريد مقاومة الحوثية بوصفها مجموعة هاشميين كانوا سادة، ولكن بوصف الحوثية حركة مسلحة تريد الوصول للحكم بقوة السلاح.

عندما يواجه الدكتور المتوكل، الزنداني في انتخابات رئاسية، قد أقترع لصالح الدكتور، ليس إظهارا للنوايا الحسنة، ولكن لأنه الأجدر، دون أن يخطر لي أن في فوزه تجاوزاً لمظلمة، بينما أنا اليمني المظلوم من حكم العسكر القبليين، بعد أن ظلم أبي من حكم الإمامة، معتقدا بعد ذلك أن الجمهورية قد منحته مستوى أقل من الظلم، وهوية وطنية ترضيه.

الشغف عند الكثيرين، والرهان على ضمانة سلاح الحوثي بوصفه أداة بيد السيد المحتقن بإرث المظلومية، هو المفزع، وليس صعود هاشمي بالانتخاب لسدة الحكم.

يقول البعض، وباحتشاد يأخذ مع الوقت منطق الغالبية التي ينتهي اسمها بلقب هاشمي، يقول بمظلومية الإقصاء عن الحكم، متمترسا بتعريف مذهبي ظلم بوصفه مذهبا، بينما كان الإقصاء بين فئتين داخل جغرافيا المذهب سياسيا، إذ قامت الزيدية القبلية بإقصاء الزيدية الهاشمية الأصولية، مستحوذة على السلطة والموارد، تاركة لليمن الجمهوري من ميراث سبتمبر خصومة المظلمة وتبعاتها، وإن لم تكن تعتمل في الصدور بوصفها قهرا أصيلا، إذ تأخذ الآن على الأقل شكل الحث العاطفي في صدور تحتاج لانفعال مظلمة لتسود.

من يتفهم؟

كيف نحول بين أخلاقنا، وبين الانجراف لحصر ضدي للهاشميين، وفي أذهاننا من اليقظة ما يكفي لتقصي أثر التهديد، وليس اللقب.

كيف نحذر المغامرين من أن تسويق هاشميتهم الظافرة الآن بالوهم، وليس بحقيقة الظفر فعلا، قد ترتب لهمجية عرقية متبادلة، دون أن يبدو هذا التحذير تهديدا، بقدر ما هو مجانبة مدركة لنوازع وشفرات الاستقواء الأعمى؟

لدينا في كل هذا الانفلات والخراب، حق الحلم بمسلك الديمقراطية، ولن ننجرف لخيارات السلاح.

سنقاوم الحوثية، ليس باعتبارها "الهاشمي وقد تسلح"، ولكن بوصفها "السلاح الذي يؤجج وهم بعض الهاشميين باستعادة ما ليس لغير الهاشميين".

المرض ليس له لقب.


والمقاومة لها تعريف واحد اسمه اليمن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق