الخميس، مايو 24، 2012

من عيني يا تعز

محمود ياسين

اندثر جيش الاسكندر المقدوني حينما فقد القدرة على التقدم أو العودة إلى مقدونيا أو القتال أو التفاوض.

نحن عالقون بلا عدو ولا اتفاق وليس لدينا صيغة للمضي قدماً بهذه الحكومة وهذا الرئيس وهذه الساحات التي لم تُكتف و...أصبح الفعل الثوري مثل رغبة جنسية عارمة تم إفراغها بفيلم إباحي.

تتحول الحياة إلى هواجس فرقاء لم يتمكنوا من الوصول إلى النهاية وما تبقى من طاقتهم يكف بالكاد لتناوش من لم يكتفوا من الهدف..

لقد تلاشى الهدف علي عبدالله صالح وتحول إلى مقياس لحجم ما كنا نريده مقارنة بما حققناه.

وكأنه إنما خرج الناس وسقطوا في الساحات وتبقوا في الخيام وحلموا وتحدثوا للقنوات ليحصلوا على سلطة كل ما تطمح إليه هو إقناع الناس بأن الرجل الذي منحوه الحصانة يشغلهم ويقطع الكهرباء وأن المشكلة من أولها إلى آخرها هو بقاء أحمد علي قائداً للحرس الجمهوري وأن الثورة مستعدة لمقايضته بعلي محسن. يرحلان معاً وينتهي كل شيء..

لقد علقنا وانتهى الأمر.. ذلك اننا لم نكن جاهزين تماماً واستخدمنا الأدوات التقليدية في فعل حديث كان بوده لو يمنح اليمنيين دنيا جديدة فيها مكاسب وحوافز وساسة جدد صعدوا من بين الناس وليس من العصابة.

كل الذي حدث هو إنجاز عدالة في العصابة التاريخية مثل عائلة كانت تملك أراضي مقاطعة كبيرة وكان في هذه العائلة مستأثر بالعائدات اعتمد إقصاء رموز العائلة التأريخية وحول بعض أفراد العائلة الاستقراطية إلى متسولين وتم استبعاده واستعادت العصابة أو العائلة عدالة توزيع النفوذ وفقاً لقوة التواجد وقوة تمثيل عادات العائلة الكبيرة من الدين إلى درجة القرب من اسم الجد المؤسس.

ليس بالضرورة ان تكون هذه العصابة التاريخية فاسدة ولم أشر إليها بهذه العصابة على انهم مجموعة من القتلة واللصوص بقدر ما هم أقوياء الماضي وحزبه، قبائله وعسكره وحزبييه وضغائنه المذهبية.

العدالة للعصابة اليمنية قد أنجزت والثورة تحولت إلى حالة من (عدم الدراية) لا ندري ممن نطلب تحديث البلد ولا على من نلقي باللائمة؟! وأين ذهبت أهداف الثورة وكيف يمكن لأحدنا فرك يديه فرحاً بشيء أو متحدثاً عن ثورة مغدورة.

كنا قد بدأنا مواجهة ما يعرف بالعنف الثوري وحذرنا منه، والأمور كانت واضحة بمعرفة أين تقف إزاء الاندفاع الأعمى، وقوة الشرعية الثورية الناشئة غير أن هذا فكر ضاع أيضاً وتلاشى في التوافقية الغريبة التي تغريك بالنجاة من مخاطر العنف الثوري.

حتى الثوار أصبحوا قليلي الحيلة إزاء ما يحدث.. يبذلون جهوداً حزينة للاستمرار في إقامة المزيد من جمعة أو (جمع) المسميات ليشعروا أنه لا يزال لديهم جمعة يطلقون عليها أسماً لا يكترث له أحد.

أنا حقاً لا أدري ما الذي يحدث؟! وأنا أكتب هنا عن هذا المزاج الذي أعقب الانتخابات الرئاسية.. مثل مريض أزعج القرية بألم أسنانه وأسعفوه إلى المدينة وحين استلقى على مقعد طبيب الأسنان لا يدري أين اختفى الضرس الملتهب المتداعي أفلت منه مبعث ألمه وعاد إلى القرية متألماً من أشياء لا يدري ما هي.

على المستوى الشخصي خسرت الكثير في هذه الثورة.. أقله خسارة ملامح الخطأ الشرير الذي يشير إليه أحدنا من المأذنة، تعريف للنقيض الوجودي. ونحيا على هذه الرؤية والصراعات المتواطنة على النبل.

أشبه الآن رجلاً نزل من إب إلى تعز ليشارع وكان لديه مائة ريال (فرنص) وحمار. أمضى أكثر من شهرين يشارع غرماء متجددين يستبدل بعضهم بعضاً وأنفق المائة ريال وترك في الأخير حماره لدى صاحب السمسرة مقابل أيام إقامته.

غادر تعز على قدميه وحين وصل إلى قمة أول تلة بعد تعز التفت إلى المدينة متوعداً: من عيني يا تعز مية والحمار!

14 أبريل 2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق