الاثنين، سبتمبر 17، 2012

ما يستحق الترحال


محمود ياسين

تبقى وضعية مختلة تفتقر للعدالة.

لأنها هكذا، وليس لديّ وصف للمحاصصة، غير أنها اختلال لجأ إليه الأقوى الذي هو الإصلاح، وبودي لو من يعفيني من تأكيد زهدي الشخصي في ما هو حقي مثل أي يمني.

لا أريد أن أبذل جهدي أثناء اتهامي للخطأ، وأصرف طاقتي للدفاع عن استقامتي الشخصية، ومن ثم أتحدث عن أخطاء الأقوياء.

وكأن أحدنا لا يكون نزيها إلا بوصفه مستلبا ومعزولا غير متمسك بشيء. لقد أسقط في يدنا، وباءت آمالنا تجاه قوى محسوبة على الثورة بالخيبة وكسر النفس.

أذكر أنني قبل الثورة بأيام كتبت عن مقترح للإخوان المسلمين بإقراض المجتمع اليمني 10 آلاف ناشط منهم يعتصمون في ميدان التحرير كنواة لاعتصام شعبي واسع ضمن وضع الإخوان هذا العدد كخميرة لفعل وطني. وكنت أراقب مثل غيري تورط الجماعة في سلسلة أخطاء عبر اللجنة التنظيمية، من احتكار المنصة في الساحة، إلى الاعتداء على الناشطات، وانتهاءً بخطيئة وضع تحالفهم مع علي محسن موضع التنفيذ المفزع لواحد من أكثر التحالفات في تاريخنا رهبة وكلفة.

اليوم ألمح شباب الثورة يتجولون مستقلين لا يدرون ما الذي يفعلونه باستقلاليتهم هذه، وهناك غيرهم من المثقفين والصحفيين يستبسلون في الكز على أسنانهم، متجاهلين فداحة المحاصصة حتى لا يبدو أحدهم متهافتا.

أكتب الآن وأسأل صادقا: "ما الذي سيقوله القراء عني وكيف يلتقطون هذه الإشارات؟"، كأننا مدموغون بالذنب، ولا ندري كيف نستكمل امتلاءنا ونحن نناقش ونؤكد بهدوء أن الوضعية مختلة، ولا يمكننا احتمالها سواء بالمحاصصة أو بدونها.

أدعي الآن أنني هادئ نوعا ما، بينما أتألم بعمق، وتنال مني فكرة اللاعدالة بإصرار وبلا هوادة.

يقال إن الهجرة أفضل من الإصغاء لترهات خاطئ قوي مدجج بثورة وبصراعات أثناء حالة من العمى الجمعي تجاه ما يزحف نحو مستقبل البلاد من خطر داهم.

ليتني أستطيع أن أحلم بأن أكون بحارا، أن أمارس هذا الحلم دون أن يلقي أحدكم القبض عليّ بتهمة الشكوى، أو أنني ذلك العبقري الذي يهدد بحرمان البلاد من موهبته، وأنه سيهاجر بأسى، فأنا كاتب ليس إلا، وأظن صادقا أن تسلق صواري السفن في أعالي البحار سيكون جيدا.

أعرف أن العالم قد تغير، بما في ذلك عالم البحار، وأنني لن أحظى بتلك اللحظة الرائعة وأنا أصرخ من أعلى صارية السفينة: "اليابسة".

لقد انقرض زمن القراصنة المدهشين، والمخاطر الجديرة بأن تروى لاحقا للأحفاد عندما يكون أحدنا مستلقيا على الفراش وقد تجاوز التسعين، يروي كيف أنه قاوم تغولات الموج وأعاصير بحر الشمال.

ربما لا يزال في هذا العالم ما يستحق الترحال بحثا عن أجوبة لأسئلة كثيرة، وليس بحثا عن مكاسب.

الحياة. هنا تأسن بمرور الأيام، وتتحول إلى ضنى كلما حل المساء.

كم يكون جهدك للفت انتباه الإصلاح وانتباه عبد ربه وانتباه الزملاء والشباب، بينما تفقد انتباهك شيئا فشيئا في دنيا من الريبية وانعدام الضمير.

ربما نتمكن في المنافي البعيدة من حب بلادنا هذه على نحو أفضل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق