محمود ياسين
عطلت حسابي في لحظة تصوف تقني، معتقدا أنني
سأفوز بتوحدي الوجودي، مدعيا أنني هزمت التقنية وقد هربت من سجنها الافتراضي.
غير أنني لم أقوَ على مزايا الوحدة، بعد
أن بنيت جانبا من وجودي في مستعمرة التقنية الهائلة.
غادرت "فيسبوك"، فلم أحظَ بشيء
مما ظننته الوجود التأملي المنسجم بعيدا عن صخب العالم الجديد.
عدت أطرق الأبواب لثلاثة أيام و"فيسبوك"
يرسلني لبريدي الالكتروني، والبريد يطرح عليّ أسئلة غريبة، وأنا في غمرة حاجتي لاستعادة
وجودي الافتراضي، بقيت انصاع لبيروقراطية المعاملة لاستعادة أرضيتي.
وفجأة توقفوا عن طرح الأسئلة الغريبة، وقد
أدركوا في ما يبدو أنني قد تعلمت الدرس، وقد أروني حجمي الفعلي إزاء إمبراطورية الوجود
التقني الهائل.
لقد علقنا وانتهى الأمر، وأمسى ادعاء العزلة
وهم من أدمن الصخب.
في مقالة طويلة لعزيز العظمة، يتحدث قريبا
من وهم النخبة في استمزاج الولع بالعودة لمزاج الماضي الأصولي، بحثا في البدائية عن
كل ما هو تلقائي ومنسجم، وضمن ما يطلق عليه العظمة "نخبة تقتات الوهم".
قد تكون مقالة العظمة تهكماً من تملق النخبة
للأصولية وإدمانها الحنين للبداءة، دون أن يكون لمقاربته تلك أية علاقة بقضيتي الشخصية
مع "فيسبوك"، ولا بقضية عالمنا الآن مع العالم الافتراضي، غير أن استحضار
السيد عزيز هنا، هو فقط ليشهد على أن المعضلة عالمية، وأن العودة لأشكال الوجود البدائي
محض وهم، وأقرب لموضة لا تخلو من الادعاء المستمزج لماضي التلقائية والانسجام، ناهيك
عن أنني بحاجة لمن يساند حقي في العودة، والتوقف عن وهم العزلة والتأمل.
3 ليال بدون "فيسبوك"، وكلما
حدقت من زجاج النافذة مرخيا عينيّ لأبدو متأملا، تأملت في أشياء غير كونيه وغير فلسفية
إطلاقا، إذ وجدتني أتأمل في ضغائن قديمة، وطنين الأذن، ولماذا لا يشتري باسندوة كوتاً
أبيض، ويتفرغ للعبادة، ناهيك عن تأملي خلال عزلتي عن "فيسبوك"، في مزايا
"فيسبوك"، وكيف أنني كنت صديقا لأشخاص يمكنني معهم بناء مستعمرة صغيرة في
ركن من المستعمرة الافتراضية الشاسعة، وبمعزل عن مزاجها الاحتفائي المتهافت على الإدهاش،
حيث ننجز همهمة حاذقة نتبادل فيها الأسئلة واللاانتماء، كمحاولة متواضعة منا لتشييد
عالم صغير مرح ونزيه، ويمكن ملامسته بلا يقين، وفي قلب هذا العالم الذي علق في الحد
الفاصل بين واقعه وبين الإمكانات اللانهائية للحياة في النت، بكل الزيف المطلوب والبوح
المتكلف.
وعندما لم أتمكن من استعادة حسابي القديم،
أنشأت حسابا جديدا بالإنجليزية "mahmod yassin"، دون أن أكتب
إلى جوار الاسم كلمة "جورنالست"، يعني صحفي، إذ إنه كان ينبغي عليّ كتابة
"جورنالست".
أحدهم يخبرني أن الاسم مكتوب خطأ، وآخر
يسأل عن واحد اسمه مخاوي الليل، وكأنني فتحت دكاناً جديداً بطرف باجل، وكل 3 أو 4 ساعات
تمر سيارة شاص أو واحد يدفع متر، ويسألني عن بنشري.
قلت أدور أصدقاء من خارج القائمة القديمة،
مراهنا على أنني مشهور بدرجة ما، أرسلت لواحد كاتب مقالة مهمة عن تشيؤ الإنسان وانقراض
الأيروتيك في تحولات البستومولوجيا المتقاطعة، مع محاولات ما بعد الحداثة، التردد المستحث
في متاهة الهويات، أنا لم أفهم شيئا بالطبع، لكنني قلت أطلب صداقته، وقدمت نفسي بثقة
مفرطة: "أنا محمود ياسين"، فأجاب بعد 3 ساعات قائلا: حق مصر؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق