الخميس، مارس 19، 2015

لن نزور مكتبكِ


محمود ياسين

بتاريخ 10 نوفمبر 2014
أروى منا نحن معشر المولعين بنقل الثقافة من مجرد طباعة كتب الى نمط تفكير، وهذه ليست مهمة وزارة. لكن توزير أروى هو اختبار لادعاءاتنا النخبوية، وقد جلست على الكرسي وامتلكت القرار (اقصد ادعاءاتنا). ولكن متى، وفي أي وضع!

علاقتي بمكتب الوزير اقرب لذكرى سيئة فلقد غادرته مرة بغضب صديق وأخرى باستعلاء رئيس تحرير مجلة ثقافية وقعت بين يدي وزير انشغل عنها بمناقشة إيجار باصات وما شابه؛ باصات ثقافية طبعاً!

كان ذلك الوزير المفلحي الذي انشغل عن مجلة "صيف"، حتى انه لم يحدق في الغلاف. كنتُ بالطبع مستنفراً للغاية أجلس محتشداً بكل تاريخ العلاقات السيئة بين المثقف والوزارة.

وما ان لامست ما بدا تعالياً على مجلة ثقافية شهرية من وزير بدلاً من ان يتحدث عن المطبوعات قام يتحدث عن الباصات، حتى اعتبرت ذلك إهانة للعلم برمته، ناهيك عن انني كنت أيامها فخوراً للغاية بـ "صيف" الممتلئة وبتجربة الفعل الثقافي والنشر الفاتن بإمكانات شخصية متواضعة.

لم أكن لأفكر بدعم الوزير للمجلة فكلمة "دعم" هذه تخرم المروءة إجمالاً وتكرّس فكرة "قلة الحيلة" ثقافياً، لذلك ذهبت بعدوانية من دُفع لتلقي الدعم دفعاً، وكأنني مندوب قرية ذهب لاستلام قمح العائلات المدعومة.

غادرت المكتب تاركاً له الباصات وكنت في سلالم الوزارة أفكر في وزراء الثقافة الفرنسيين الذين اختزلتهم في شخصية اندريه مالرو الفاتن اذ كنت منتشياً أيامها بتنويعاته اللغوية والوجودية في روايته "قدر الإنسان" وقلت لنفسي الفارق بين المفلحي ومارلو ان الفرنسي روائي بينما قرأ المفلحي كتباً (ربما).

اما المغادرة الغاضبة بسبب انفعالات الصداقة التي بوغتت بالبرتوكول الوزاري فكانت على عتبة مكتب خالد الرويشان الذي تمكن من إنجاز الكثير، وخسارة أغلب الأصدقاء. اذ كان النشاط الثقافي المحموم قد جعله متوتراً أغلب الوقت.

أروى منّا نحن الباحثين عن صيغة جديدة بين النشاط التنويعي الرسمي وبين حاجتنا للتحديث.

هي حداثية تماماً حتى وهي تعمل في الموروث الثقافي الشعبي، فلقد كان ذلك ضمن مزاج الانتليجنسيا وهو يبحث عن جمال موروثه ليتكئ عليه ربما في مهام ثقافية ورؤى مستقبلية. علقت الآن في إيجاد رابط بين موروث أروى وتوزيرها وكأنني أبرر توزير واحدة منا، رغم ان الجملة الأخيرة قد قلتها عندما عينوا عوبل وزيراً للثقافة واتضح انه واحد من الفاشلين الذين عرضوا "تجمعاتنا النخبوية" للإحراج، عوضاً عن إحراج اليسار شخصياً على يده.

قرأتم لأروى، مثقفة ملتزمة ومنحازة للفن ولقيم الجمال والتحديث. راهنّا على عوبل لأنه من تلاميذ الجاوي ومن بيت اليسار العتيد دون تنبه لإمكاناته، أما أروى فذهنها ممكنات فعل ثقافي مميز الا اذا فقدت ذاكرتها.

كان يفترض بي الحديث عن أروى فتحدثت عني، ناهيك عن "منا" وكأننا صفوة الله في الأرض، بينما كان الغرض هو عنا نحن المكرسين للبحث عن وزير ثقافة يمكنه عبر الأداة الرسمية والإمكانات فعل شيء لتحديث الذهن اليمني. هذا قصدي مبدأ شغفنا بأروى، لكن توزيرها في وضع كهذا هو خليق بتعقيلنا او عقلنة حماستنا قليلاً، فهي في وضع كهذا ستصرف أغلب الوقت في إقناع المشرف الحوثي بإقامة فعالية راقصة لا تخدش الحياء وأن بعض العلماء أجازوا الطرب، وذلك على أمل أن يقتنع قليلاً ويرفع الختم ويخبطه تحت توقيع الوزيرة.

لن نزور مكتبك يا سيدتي، قد لا تتمكنين من طباعة الكثير لكن لا تذعني لطبع الكرسي المتواطئ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق