الاثنين، أغسطس 16، 2010

لأجل امرأة في الدائري

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

امرأة تجلس على رصيف جولة بالدائري، ولطالما كتبت عن امرأة تتسول. اليوم شعرت كم أن الأمر ألم خالص. ربما لأن عيونها كانت حمراء مثل «مكلف» تم طردها للتو، وربما لأننا لم نعد قادرين على الشعور بالمهانين بمعزل عن مهنتنا في البكاء الوظيفي لأجلهم.

كان المطر قد بدأ يهطل وهي تجلس مضرورة للغاية، وفي «حدفها» رضيع تخبئه بالنصف الأسفل من شرشف يبدو من ذلك النوع الذي ترتديه بنات الرعية المخلصات المتفانيات الأقل جمالاً.

يدور الأمر هنا حول كم أن هناك امرأة مرجومة تمام الثانية في جولة بالدائري، وكان المطر يهطل وأنا استحضر من خلال عذابها أي مجرم مسئول عما لحق بها فلا أجد.

فكرت في الرئيس فوجدتني أعيد كل العبارات التي كتبتها في عشرات المقالات والتي ترثي أي شيء إلا هذه المكلف.

فكرت في الأحزاب، وإذا بلحظة ألم تلك السيدة تتحول إلى مطارحات فكريه مضنية عن أهمية البرامج السياسية وعن هوية الكيانات انتهاءً بترديد أشياء من قبيل «التواصل مع الجماهير».

مع أن المرأة تلك لا تذكرك بالجماهير إطلاقاً. وحين يغيب مبعث كارثة إنسانية ويغيب المجرم لا يبقى لديك سوى التفكير بكلمة عيب أو مروءة.

فكرت أيضاً في الهجر( بفتح الجيم)، وإذا بالهجر يتحول إلى ممكن وحيد لأجل هذه السيدة المذلة للغاية.

أي مبلغ مالي قد تضعه في يدها يدفع بكرامتها إلى ما تبقى من الحضيض، وأي نباهة سياسية في تلك اللحظة بالغة الخصوصية إنما هي ذلك النوع من الرياء والتحاذق.

لقد وصل عدد كبير من اليمنيات إلى تلك المرحلة التي تخلى فيها العيب عن المكلف في منتصف الطريق، وبلا أي أمل يذكر في الحصول على مكاسب وحوافز العمل الحقوقي النسوي.

كانت المرأة- وهي ليست عجوزاً تماماً، وليست سوداء- تجد حماية أخلاقية ما، ويقابَل ذلها بردة فعل رجولية خالصة.

هذه السيدة التي في جولة الضبيبي بالدائري، أثناء هطول المطر، تكشف عن اضمحلال فكرة الضمير الرجولي (على بدائيتها) وبداية اعتياد القبول بالكوارث الناشئة عن الفقر، وكأنه نوع من انكشاف كل شيء أمام تطور فكرة الفقر من حالته البدائية التي ارتبطت بالرزق والمكانة فحسب إلى نوع من التدريب على دفع ثمن أخلاقي لفقر لم يكن يترتب عليه أي انتهاك.

وكأننا نتعلم فقط لنصبح مستعدين لدفع الثمن. ويشبه الأمر هنا قصة قرية كانت آمنة تحت ظلال الأساطير البدائية، وحين قطعوا النخلة وجدت القرية نفسها تحت رعب الشمس.

يمكن العودة إلى الفكرة الأساسية وهي أنه لم يعد هناك مسئول عن عذابات أغلب أبناء أمتنا، إذ من الذي يتفاعل مع فكرة من نوع "الرئيس مسئول عن كافة المتسولين" كلام قد فقد حرارته مع الترديد. ولقد تحولت كوارثنا وعذاباتنا إلى ما يشبه قضية فلسطين، لا تلفت انتباهنا إلى عمليات القتل والهدم نفسها بقدر ما يلفتنا إنزال جوي إسرائيلي على سفينة إغاثة أو قافلة تتحدى الحصار.

لقد أصبح على تلك المرأة في جولة بالدائري أن تتعذب بطريقة جديدة في غمرة اعتيادنا.. إذ ربما سنجد بقية قدرة على الاستياء في حال نشر تقارير عن بيع أعضاء متسولات يمنيات أو بيع أطفال.

ومع أن هذا قد حدث فيما سمعت إلا أن السلطة والمعارضة ستكون مسئولة فقط في حالة واحدة وهي أن يثبت بالدليل القاطع أن مجموعة من اللقاء المشترك ومن المؤتمر وفور خروجهم من أحد اللقاءات التفاهمية قد قاموا بعملية اغتصاب جماعي لامرأة تتسول قريباً من بوابات السياسيين.

2010-08-15
المصدر أونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق