محمود ياسين
كلما أردت الكتابة عن ضرورة حضور المثقفين
في العمل السياسي الآن، فكرت في سامي غالب، وكأن سامي هو "المثقفين".
والرجل في ما يبدو قد تعب من هذا العشم
الذي أظهره في كل لقاء.
أنا كلما تحدثت عن "ينبغي علينا، ومن
المهم بالنسبة لنا كمثقفين"، أجد تململا من هذه المحاضرة التي أعترف في الصميم
أنها مرهقة بعض الشيء، وبالتحديد عندما يصغي أصدقائي لأنفاسي المتلاحقة، وأنا أهلك
في إثبات براءتي من لعب دور المنبه الحاذق عندما يشم رائحة الخطر.
"دور للمثقفين" هكذا أطرح الأمر
دون تحديد لماهية هذا الدور وأدواته وحامله أو شكله التكويني، ليبدو كمؤسسة تحضر بثقلها
الثقافي على أنها مؤسسة جديدة تضم المثقفين والصحفيين وناشطي منظمات المجتمع المدني،
مما يعني أن يكون لدينا مؤسسة سياسية من خارج المنجم التاريخي الذي يستخرجون منه في
كل حدث وكل أزمة وحرب وحوار، عناصر هي ذاتها ما بين عسكرية ودينية وقبلية تتجول بطرق
مختلفة كلها قادمة من المنجم.
يمكن تحديد الأمر أكثر هنا في "تكوين
للمثقفين والحقوقيين" للقيام بمهمة رقابية على حوارنا الوطني، ولقد التقطت فكرة
المهمة الرقابية هذه من السيدة بشرى المقطري، لتعفيني بفكرتها هذه من تعبي من تموضع
كلمة "دور" فوق رأسي مثل موظف لا أجد له عملا أو مسمى وظيفياً.
ليكن تكوينا لمن لديهم أصلا هذا الدافع
الرقابي الثقافي الحقوقي، وليس بالضرورة أن يشمل هذا التكوين كل شرائح المجتمع.
ومع جعل الأمر أكثر تحديدا، يمكنني الحصول
على فرصتي في توزيع العشم على عشرات الأسماء، بدلا من الضغط على كبد سامي غالب بهذا
العشم وحده، ليغادرني دائما وقد تقدم 20 عاما في السن.
التواضع ليس فضيلة دائما، ذلك أنه يجعل
المثقف حالة من النفي المتعالي، تاركا لجلبة رجال المنجم دفع البلاد حيث الزاوية الضيقة
التي تصل إليها آفاقهم.
الثقافة والحقوقية استقلالية بما يكفي لحاجة
هذه البلاد لصوت غير ملتزم بأجندة جماعة أو مركز قوة، بقدر التزامه تجاه ما يجعل البلاد
أفضل. غالبا ما يكون هذا المثقف نزيها وعقلانيا ورحوما، يعرف الكثير، ودماغه يختزل
تجارب المجتمعات الإنسانية، وكيف تحولت إلى الأفضل، أو كيف تركت مصيرها للهاوية.
هذا لا يعني أننا نحاول التدخل والحضور
بصفة الكائن الأسمى، ولا يعني أيضا أن كل الساسة عديمو الأهلية تماما، لنحضر نحن كبديل
متعالٍ يقدم للبلاد الخلاص الناجز.
في حال اقترحت أسماء أولية لهذا التكوين،
فأنا سأذكر أسماء من أعرف، وكأنني أدعو الشلة،
وما أعرفه في حقيقة الأمر أن هذه البلاد
تمور بأدمغة كثيرة خبرت الكتب والتجارب، ولديها حلم وطموحات وطنية، وهم، ناهيك عن إرادة
التغيير المتخفف من الالتزامات الجماعية التاريخية، أو التزامات الاستقطاب.. هم جاهزون
للمساندة، وإعفاء السياسة في مرحلة معينة من تورطها في المقامرة، وإنكار قلة الحيلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق