الأحد، يونيو 13، 2010

منتصف الطريق


تعود آلة الفعل السياسي التقليدية إلى العمل كلما شعر القادة بخطر تجاربهم التحديثية الحذرة.

لقد كشفت المجابهة الأولى والكاملة بين طرفي الانتخابات الرئاسية (الإصلاح، والرئيس) أنهم قد جازفوا بطريقة أو بأخرى.

وكان الاتفاق الأخير بين الرئيس والآنسي هو استجابة للشعور بخطر السير وراء الفكرة الديمقراطية إلى النهاية.

إن المضمر بين الرئيس وحلفائه التقليديين، وعدم توثيق اتفاقاتهم أو الإفصاح عنها (التوقيع على التزامات كل طرف) هذا التوقيع غير موجود.. هناك تفاهم ترعاه الخبرة في السير على الطرق الآمنة.

ذلك التواطؤ والعودة إليه هو الآلة السياسية التي تقرر الشأن اليمني.

يعرف الرئيس مع من يتفق – كيف ومتى – ذلك يطمئنه ويبقيه عارفاً بسير الأمور. أما أن يتحول الأداء المؤتمري المتتالي على مدى 5 دورات انتخابية، إلى حالة حزبية، فذلك غير آمن، وبالتالي يصبح من المتعذر التحالف مع مؤتمر بدأ يتصرف وكأنه شخصية مستقلة بالفعل، ناهيك عن أنه لا أحد يدري كيف يبرم اتفاقاً مع كيان كان في الأصل أداة.

لا علاقة للكبرياء بالأمر بقدر ما هو خطر تلك اللامعرفة بخيارات وإمكانات مؤتمر بدأ يتحزب بمنأى عما كان قد خططه الرئيس، وإلى أي مدى يمكن للمؤتمر التعبير عن وجوده.

الإصلاح هو الآخر، كان بحاجة ماسة لاتفاق من هذا النوع. إن أمر وضع قوة الحزب ومستقبله رهن شخصية المشترك نوع من السذاجة السياسية. ثم إن العمل في السياسة ضمن طاقم هو ضد فكرة المناورة أصلاً. إذ يبدأ أحدهم بالشعور بضغط النقاء السياسي واعتماد مقولات جماهيرية ومطالب تحديثية لم يختبر أطراف المشترك جدواها على المدى القصير. المدى الذي يكفي بالكاد لخبرة السياسي اليمني.

هناك نظرية أخرى لها علاقة بالمؤامرة، وهي أن المشترك أصلاً واحد من بنود اتفاق (غامض) بين الرئيس والإصلاح، وهذا يناقض بداية المقالة عن ندم الطرفين على مجابهة بعضهما في الانتخابات.

ما من تحالف استراتيجي بعد، غير أن الرئيس والإصلاح يعملان الآن على فكرة منتصف الطريق، أو أن الآلة التقليدية للعمل السياسي في اليمن هي من اقترح فكرة نصف الطريق هذه ضمن خبرتها في إيصال الأطراف الكبيرة إلى تسوية قصيرة المدى.

لا يحتمل الإصلاح الزج بمستقبله في فكرة النضال السلمي الاستراتيجي ضمن عملية سياسية تستمد وجودها وبقاءها من حزبية جماهيرية صرفة.

وأن لا يبرم الإصلاح والرئيس اتفاقاً ما، ولا يتبادلان ضمانات بقاء.. هذه فكرة ساذجة للغاية. حتى إن الإصلاح سيكون ساذجاً إذا لم يتصرف على هذا النحو. وهذا من قبيل إسداء نصائح شريرة لحزب ليس لديه خانات أخرى غير هذه.

إذ إننا هنا بصدد قوى تمر بمرحلة فرز، وتعيد ترتيب أولوياتها الحقيقية وفقاً لمخاطر ترتبت على أولوياتها المعلنة.

الآن على الأقل لا أحد يحتمل تبعات التحديث.. الانتقال الاستراتيجي عند الإصلاح، أو العمل من خلال فعل حقيقي للمؤتمر عند الرئيس.

وفي الجزئية الثانية يمكن هنا استعادة مقولة المعارض السياسي التشيكي "فالستاف هاقل"، وكيف أن الاشتراكيين، من أعضاء اللجنة المركزية إلى صاحب البقالة، يرفعون شعارات الحزب، لأن هذا ما عليهم القيام به. وبالتالي فإن الاشتراكيين الحقيقيين هم أعدى أعداء الأنظمة الاشتراكية بصورتها الحالية.

أصبح هاقل بعدها رئيساً فاشلاً كان في الماضي يقول أشياء عميقة.

ما يهم هو أن الفكرة المؤتمرية قريبة إلى حد ما من تلك المقولة، الآن على وجه التحديد (مؤتمري محزب، أو حتى إصلاحي راديكالي صلب) خطران على جهود الآباء في الحفاظ على ما يظنانه كيان وجود العائلة.

إذ لا يمكن اتهام الآنسي بخداع المشترك مثلاً، أو خداع خلايا الإصلاح التنظيمية. هو يتصرف بدافع من تلك الخبرة لرجال يخافون الجديد. هذا شأنه بالطبع.. وشأن الرئيس.

غير أن الأمر مجدداً بقي في تجميد شؤون الناس إلى فرصة أخرى آمنة.. وهكذا دواليك.. تنتهي قوة الفعل وتتلاشى في فضاء افتقار الأطراف إلى هوية سياسية ومشروع بقاء. ليس بالضرورة أن يكون هذا المشروع تحديثياً، إذ لا يسع الإصلاح العودة إلى قوة الاستقطاب بالعودة إلى الله و(قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله). لقد علق في المنتصف.. في المكان الذي علق فيه رجل قوي يحتاج هو الآخر إلى اتفاق، ولكن هذه المرة بشروطه هو.

منشورة بتاريخ سابق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق