الأحد، يونيو 13، 2010

ملامسة اليمن عن كثب

محمود ياسين


تراجع اهتمامي بالجنوب. أخشى أن يتحول الأمر عند الجميع إلى تلك العلاقة الفاترة بين اليائسين ومكامن التهديدات.

هل فقد اليمنيون أي شعور بسلام قد يهدده أو لا يهدده احتدام الجنوب، أو أن لا أحد يعتقد نفسه مطالباً بشيء أو هدفاً لهذا الغضب.

كنت لا أزال طالباً بصدد البحث عن عمل. وكنت فاشلاً في انتظار معجزة. وفي واحد من صباحات صيف 94، استيقظت على صوت المضادات الأرضية بصنعاء، فتخلصت من متاعبي دفعة واحدة. هكذا أصبحت واحداً من الباحثين في الأجواء عن طائرة.

لا أحد فاشل أو مطالب بشيء في الأحداث الكبيرة. حتى إنهم اتصلوا من القرية، حينها، للطمأنة على سلامتي لأول مرة.

تسقط التزامات الناس تجاه الوطن أثناء انصرافهم للنوم مع الفشل.. ويتخلصون منه أثناء التجمهر على إخفاقات الوطن. ذلك أننا في الأصل لم نتعلم شيئاً عن سبل تجنب التهديدات الجماعية، كأي أناس غير معنيين، وكأننا جميعاً أطراف غير معنية في نزاعات عسيرة على الفهم.

لقد خبر اليمني تهديدات الجار، والطامعين في أرضيته.. أصحاب "مطلع" في إب والدحابشة في عدن، ليس باعتبارهم جنوداً في جيش ثقافة مضادة، بقدر ما هم نهابة الأشياء الشخصية جداً.

وهذا طبيعي في العالم الثالث حيث يتحول ما هو شخصي إلى مجابهات مع دولة يعتقدونها شخصاً.. وربما العكس في قضية كهذه التي يظن أغلب اليمنيين أن لا سبب وجيه يدفعهم للاصطفاف بشأنها.

كانت حرب صعدة في رحلتها الرابعة قد تراجعت في أحاديث اليمني إلى المرتبة الأخيرة، تبعاً لطريقته في اعتياد أشياء لم تعد جديرة بالفضول. وتابعوا خبر التوقيع على اتفاقية الدوحة على أنها جلسة الصلح بين الرئيس و"السادة".

قبلها كانوا قد أسهبوا كثيراً في أشياء لها علاقة بخطورة "السادة" ومتاعب الرئيس، كأي أناس مروا في طريقهم على شجار طرفين متهورين.

المثقفون، الذين أخبروا أهل قراهم عن خطورة ما يحدث في صعدة أو في الجنوب، لم يستندوا على دافع دورهم في مجابهات تخلف القرى، ولم يسمع القرويون مفاجآت من نوع: "ما يحدث يجعل نصيبك في كيس القمح أقل من النصف"، ولم يندهشوا من حذاقة العلم، لأن ذلك لم يحدث.. ولأن المثقف في الوعي الجمعي لم يحدث أصلاً. هو مدرس إصلاحي يختلف مع مدير المركز التعليمي المؤتمري لأسباب غريبة لها علاقة بانتخابات لا تزال مقاديرها عند ربي.

أشياء وبقع نطلق عليها بؤر موزعة على مدى خارطة أقوياء محظوظين أو مغامرين مدهشين من النوع الذي يسمع الناس عن طلعاتهم ونزلاتهم إلى صنعاء.

الخارطة الوطنية بقعة خضراء صغيرة في جنوب شرق خارطة الوطن العربي فوق رأس مدير الناحية. حتى كأن لا أحد عاد ليطرح السؤال ذاته: كم تساوي اليمن دولاً خليجية.

خارطة ذهنية هي ما تبقى في ذاكرة اليمني وهو يتحرك بحذر مفرط بين الفرزة ومصلحة الواجبات مروراً بسوق الجمعة.

قبل فترة تساءل أحدهم في الباص بعد المغرب عن بلاهة تساؤل رجل آخر: "من أكبر احنا والا الكمرون؟". كنا يومها قد عادلنا الكاميرون بفريقنا للناشئين.. لا أدري لماذا اعتقدتهم يومها معنيين تماماً..

وتذكرت أقاصيص شعوب حصلت على رموز وأبطال، وكيف أن فاسيلي (القناص الروسي) في ستالينجراد قد منح الوطنية الروسية سبباً لملامسة روسيا عن كثب.

تصبح بلادك أقرب كلما كانت كلها طرفاً في صراع مع آخر، ويتعذر عليك المجازفة بأية علاقة جدية مع صراع الأطراف.


منشورة بتاريخ سابق في صحيفة الشارع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق