الخميس، أغسطس 26، 2010

أيام حاشد



محمود ياسين
sayfye@gmail.com

بدأ الحوثيون يهددون حاشد (القبيلة الفكرة). وكأنه عقاب لما تحدث عنه نائف حسان مؤخراً في «الشارع» عن جنوح القبيلة أو تورطها في النكهة الوهابية، وأصبح الأمر بين الزيدية القبلية والزيدية الدينية.

نعود لفكرة ما حدث مؤخراً من وقوع حاشد على رأس قائمة الأهداف الحوثية.

أحاديث عن تمتع الحوثي بالقدرة الحصرية على ضرب مراكز القوى التقليدية.

وشماتة بحاشد لا تخفي نفسها وكأن حاشد هذه قد تركت في كل قلب ضغينة.

يدرك أغلب الناس مسألة تمثيل حاشد للفكرة الزيدية والقبلية أكثر من غيرها. وكأن حاشد، في مستوى ما، لم تكن رأس حربة الثورة قبلياً كما تصر حاشد على إقناعنا، بقدر ما كانت قوة حاشد وتواجدها في الدولة أشبه بترضية جناح زيدي وتحييده ضد أي تظلم قد يقوم به المذهب الزيدي برمته.

لا أعرف كثيراً في هذا النوع من حذاقة التحليل، حتى أنني أوردت فكرة الزيدية القبلية والزيدية الدينية أو المذهبية على مضض، وانبهرت بالفكرة أيضاً على مضض. وكل ما هنالك أنني متورط كلية في نقد أن أي عمل في اليمن هو أصلاً في خيمة القبيلة، ويحدث في باب الشيخ وتدخل فيه أشياء لا علاقة لها بالتسوية الوطنية أو حتى إعادة توزيع مراكز القوى، بقدر ما تدخل فيه مفاهيم البلد والحد والنكف وإعادة الاعتبار.

يبدأ النشيد الوطني للحوثيين بنداء تاريخي للفكرة القبلية، وهو يبدأ هكذا: يا قبيلة يا من يمثلها من الشعب اليماني، قولوا لصناع القرار.

دائماً وفي كل مرة تقوم القبيلة بقول أشياء مهمة لصناع القرار، باعتبارها الوسيط الرسمي والمبعوث الدائم بين حاجة اليمن وصناع القرار.

القبيلة الفكرة الأكثر حماسة، وهي تخوض الآن في حوث اختباراً تاريخياً لن يتكرر.

هذا العرض الحوثي الذي يتلقاه الذهن اليمني كنوع من مراقبة القوي الجديد وهو يعاقب القوة التاريخية الحاشدية، وينصف كل المتضررين مما اعتبروه "نخيط" حاشدي واستئثار حاشدي... ما أكثر المستائين من طبع حاشد! بما في ذلك سائق شاص ترك أنابيب الغاز في المحطة أثناء انشغاله بالتأكد من أخبار ذعر حاشد من الحوثيين، إذ إنه يحمّل حاشد خسارة سيارته الصالون أبو دبة في "قطاع" حاشدي ضد أصحاب إب، وكان هذا السائق أيامها من إب، وأصبح الآن من تعز ينقل الغاز والجص، بعد أن كان ينقل أشياء ناعمة على غرار عوائل وميسورين يأخذون سيارته على حسابهم.

لقد صنع الشيخ عبدالله على مدى عقود صورة الرجل الناجح النافذ العاقل الذي يمكنه التصرف بهدوء وسط عجيج البارود، ويشعر كثيرون أن رحيله سيدفع حاشد للتصرف على سجيتها، مفصحة عن نزوعها للتهور، وعن ضعفها وخسارة المكاسب التاريخية، وجلاء العلاقة الحقيقية بين حاشد والدولة. كل الذين راقبوا الأيام الحاشدية المنصرمة يؤكدون أن ورطتنا لم تكن في هذا الحضور المفرط لحاشد، بقدر ما هو تأكيد على أن مشاعرنا في مجال التغيير لا تزال تراهن على شفاء الصدر، أكثر من التفكير في مخاطر ما قد يترتب على أي نصر جديد قد يحرزه الحوثي.. مهتمون للغاية ومتأكدون من تعرض العصيمات لاختبار هائل.. ناهيك عن ربط سنحان بحاشد وإصرار سنحان فيما يبدو على جذرها الحاشدي. وها نحن نحصل على قلعة جديدة تنهار من حول علي عبدالله صالح (افتراضاً). إذ لطالما أورد الرئيس قبيلة حاشد في أي رواية يسردها تحت مصطلح "أصحابنا". في حدث كهذا لا أحد يذكر علاقة الشيخ حميد الأحمر ودوره في المشترك ولا حتى علاقته المتوترة بالرئيس.. بقدر ما هو حدث سيتأكد اليمنيون من خلاله أنهم لن يتحركوا قيد أنملة سقوطاً أو نهوضاً بغير نهوض القبيلة أو سقوطها.

أنا هنا بصدد الانطباع العام. إذ إنه يحدث في الجنوب ما هو أكثر خطورة وتأثيراً من أحداث خط صنعاء صعدة. غير أن الرهان الجمعي دائماً يستشهد بدخول الضالع أو لحج أو انضمام الفضلي للحراك، باعتباره شيخاً قبلياً أكثر من كونه سلطاناً سابقاً، وبمشاعر وكلمات تشي بأن الضالع هذه قبيلة أقوى من قبيلة حضرموت. حتى أنهم يسردون طباع أهل الضالع مقارنة بطباع أهل حضرموت مثلاً، رهاناً على رجولية وعنف منطقة مقارنة بأخرى.

لم يقل أحد أن الفئات العمرية ما بين اثني عشر عاماً وثمانية عشر عاماً قد انضمت لصنع الحدث في الجنوب. أو أن يردد الذهن العام أهمية انضمام مستوى فقهي زيدي معين إلى القوة الحوثية، بقدر ما كان وجود الرزامي بهويته القبلية عنصر اهتمام ورهان. الذهن الذي يخلق وعياً بالخيارات العامة، ويدفعها في أحيان كثيرة لترتيب الأقوياء والقادرين على الفعل.

هذا أول اختبار فعلي لأولاد الشيخ. لكنه الاختبار المتكرر لنجاح الفكرة القبلية في تحديد علاقتنا بالمستقبل.


المصدر أونلاين
2010-08-24

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق