الجمعة، أكتوبر 08، 2010

مسخ الدكتور فرنكشتاين .. إثارة لأسئلة الخلق والمصير

محمود ياسين


في فيلم مسخ الدكتور فرنكشتاين, الذي لا أدري له أسماً غير "مسخ الدكتور فرنكشتاين", ولم أنصح أحدهم يوماً بمشاهدة الفيلم. ولم أقم بالتأكد من اسم الفيلم, كما تمت كتابته في الملصق.
ما يهم هو في أن أفلاماً بعينها كهذا الفيلم تتمكن من مسايرة خيارات المشاهد وتقلباته النفسيـة.
ذلك أن مشاهدة الفيلم في حالة صفاء ذهني تضع مشاهد العنف في سياق يتخطى المشاهد الصادمة، إلى دلالات وحالة إلهام تبحث في المصير الإنساني برمته, وكيف أن طبيباً. يقوم بتركيب دماغ عالم مات حديثاً بجسم مجرم مات حديثاً أيضاً! دماغ فاعل وجسد مهول.
ولم يتمكن فرنكشتاين من الوصول إلى شحن اختراعه (المسخ)، بالطاقة الكافية لجعله يتحرك. يغادر الدكتور لأسباب لا تبدو وجيهة, يغادر مختبره على عجل عائداً إلى دياره أثناء تعرض المدينة لموجة طاعون.
تعود الكاميرا لتتفقد الجسد (التجربة) لتلحظ الكاميرا صدفة موجة طاقة من "برق عابر" وتشاهد أنت جسداً هائلاً تظهر على تفاصيله آثار عملية قطع ولصق شنيعـة, في الوجه تحديداً.
كائن يجد جسده هكذا فجأة بدون كينونة ولا ذكريات.
يغادر الكائن المختبر متتبعاً فيما يبدو أكثر غرائزه البدائية بساطة, يتحرك بلغة واحدة تفهمها ببساطة.. لغة جثة بحاجة لالتهام شيئ ما. بدون أمراض ولا دوافع عميقة البتة.. حتى تلك البشاعة في الوجه, الذي يبدو مثل قماش سميك للغاية, تم التعامل معه على عجل من قبل خياط سيء لا يجيد مهنته...
كائن هائل غائب يتجول في مدينة مذعورة وهستيرية بالهرب العنيف من الطاعون, واقتراح أي سبب عابر للطاعون.
تلاحق الأزقة المسخ على أنه سبب الطاعون ومبعثه, وهو يجري ببراءة هارباً وبشعاً مثل حيوان غادرته الغابة أثناء النوم.
لا أبرع من روبرت دنيرو وهو يصدر خوار مسخ هائل متضرر...
حياة هكذا وجدت لأجل العلم والمغامرة, مجازفـة بمصير تم اقتراحه لأجل شيء لا يخص أحداً بما في ذلك الدكتور فرنكشتاين, الذي لم يتطرق أي من مشاهد الفيلم إلى طموحاته العلمية, كان من ذلك النوع من بشر يقومون بأشياء تدرك أعماقهم كم أنها خطرة، غير أنهم يقومون بذلك في حالة صمم, مندفعين وراء غريزة الذهاب إلى الأقاصي!
حين يعود المسخ إلى المختبر، إلى حيث أول تفصيل في ذاكرته الطازجـة، يجد أوراق الدكتور, يجد الخطوات العلمية والمعادلات, وحالات الإضافة والحذف, والملاحظات, وكل الرمـوز والعلامات التجريبية التي أوجدته آخر الأمر... كياناً كاملاً, يمكن فهم خطوات خلقه بدماغ العالم وجسد المجـرم.
عرف ببساطة, عرف شيئاً مبدئياً عن فداحة وجوده لأسباب لا يبدو من خلال صراخه المحشرج أنه فكر في إن كانت أسباباً وجيهة أم لا..
لطالما حذرت هوليود من مجازفات العلم, والتجريب على المصير الإنساني برمته. غير أن هذا الفيلم أكثرها قدرة وجلاء على إثارة أسئلة الخلق والمصير, أكثر من لفت الانتباه لمخاطر التجريب بدون حذر.
كائن هائل ضمن أحد أكثر أعمال هوليود تعقيداً وبراعه... وأنا هنا لا أستعرض معلومات عن أسماء مبدعين أنجزوا عملاً فنياً بهذا القدر؛ كل ما هنالك أن هذا قد يحدث, أو أنه حدث تماماً, وأن في حياة كل منا ثمة قدر وأسباب نفي وغياب, ثمة وحدة بشعة في ذاكرة كل منا. هناك قدر كبير من اللاعمق واللا وجاهة في عذابات نختبرها على الدوام.
لسنا مسوخاً غير أن مسخ الدكتور فرنكشتاين, بوجهه ذي الترقيعات, حادثة من ذلك النوع الذي يكشف عن عمومية الحالة المعذبة, تفصح عن أن ثمة "كائن شنيع" هو ابن مرتجل لأكثر محاولاتنا هروباً.
حين يجد المسخ رجلاً عجوزاً أعمى في أطراف الغابة, إنساناً هو وحده من يملك الشجـاعة الكافية لتحسس وجه المسخ, هاتفاً: يا للمسكين! سأله العجوز: هل لديك أصدقاء؟
فقطب المسخ, بتلك الطريقة المضطهدة لمراهق شنيع تم نفيه بلا هوادة, قطب بتلك الطريقة التي يوشك فيها الكائن المنفي على دفعك لفهم كم أن هذا العالم شرير! ذلك المشهد يمكن اختصاره في ترجمة مرتجلة: "لم يدللني أحد يوماً, ولم يدعني أحد وشأني!! أنا شنيع ومتضرر ووحيد".
رغم أنه وصل إلى صانعه الدكتور فرنكشتاين وطلب منه شياً واحداً وهو تركيب مسخ أنثى تشبهه تماماً وتلائمه، وسيذهب بها إلى سهول الجليد.
إلا أن فكرة الانتقام أخذت تدفع ببقية مشاهد الفيلم في طريق العنف التقليدي الذي فرض نفسه بآلية على سياق الفيلم في نصفه الثاني. وتلك المشاهد التي ينتزع فيها المسخ قلب عروس الدكتور ليلة زفافه، ومشاهد هستيريا القتل وانتشال جثة جديدة أراد الدكتور من خلالها ترقيع جسد حبيبته وإنقاذ حياتها. غير أنه أنجز مسخاً جديداً.
انتحر المسخ الجديد, واحترق القصر، وذهب الدكتور هذه المرة وراء المسخ سعياً للانتقام ضمن عملية تبادل الأدوار بين طرفي مصير يلفهما الغموض والألم...
حين مات الدكتور في أقاصي الشمال بعد يأسه من النيل من المسخ وحين سمع البحارة خوار المسخ وبكاءه لموت فرنكشتاين, تساءلوا عن سبب بكائه لموت من اخترعه وأوجده على هذه الصورة الأليمـة!؟
أجاب المسخ: أبكي لأنه ليس لدي في هذا العالم أحد سواه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق