الجمعة، أكتوبر 08، 2010

ما الذي يمكن أن يقوله شريعتي لحسن زيد ولا يقوله لمحمد قحطان

محمود ياسين


محاولة تقصي كيف يفكر العقل السياسي اليمني مضنية, لا تفضي إلى فهم مرحلة سياسة تشتغل على أولويات ثقافية يمكن إدراكها من خلال مكتبات الأحزاب. إذ يبقى الأمر مرهوناً بشخصية السياسي ونفسيته .. إذ يمكن إدراك أولويات الدكتور ياسين سعيد نعمان, دون أن يخلص أحدنا إلى أن هذه هي أولويات الحزب الاشتراكي اليمني وطريقة تفكيره.
مكتبة الدكتور ياسين لا تشبه بحال مكتبة على الصراري، ولا يمكن هنا اعتبار أن الحزب قد أنجز رواية "جمعة" تلك الرواية التي يجرها الذهن إلى مربع مسبق هو الاشتغال على قصة كفاح إنساني في طريق العدالة، وأن تكون الرواية إجمالاً إدانة لجشع الرأسمالية...
هذه ليست رواية إشتراكية.. فهي تصلح كمنجز أدبي لأي مبدع يرثي المصير الإنساني.
تجد كتب على شريعتي في مكتبة محمد قحطان وفي مكتبة حسن زيد. وكنت قد خططت مسبقاً, وبدافع شخصي للغاية, كيف تثبت أن حسن زيد يقرأ فحسب في كل ما له علاقة بولاية الفقيه، والتأكد فحسب من أن على شريعتي هو أحد أو أهم أصابع دفع ذهنية حسن زيد في طريق ما.
إذ ما الذي يمكن أن يقوله شريعتي لحسن زيد ولا يقوله له لقحطان؟
وتحاول هذه المقالة المقتضبة أن تخلص من خلال الخبرة بالمثقف السياسي, إلى أنه ما من نظام معرفي يقف خلف كل جماعة سياسية على حدة، ويمكن من خلاله فهم تباين مواقفهم السياسية آخر الأمر.
قحطان يجادل أحياناً وفقاً لمقولات محمد حسنين هيكل, دون أن تخطر له مقولات الترابي أو راشد الغنوشي.
عقل سياسي غير متخصص يتقاسمه هذا الزهد العقلي في الاتكاء على المعرفة والأيدلوجيا في التدافع على الخيارات السياسية.

شخصية ياسر العواضي مثلا، منهمكة في أصول التغيير الثقافي الذي يمثله كتاب واحد موجود في مكتبة العواضي "حالة ما بعد الحداثة" لديفيد هارفي، بينما تمثل كتب شعر الغناء, ومذكرات ساسة العالم وقادته الحيز الأكبر.
لقد تجاوزت الذهنية السياسية اليمنية - كما هو حاصل في المنطقة – فكرة التخصص والحفر وراء خلاصات فكرية تؤكد خياراً أسياسياً يحتاجه هذا العقل في ممارسته للسياسة,
من خلال بناء نظام معرفي يحتدم مع أنظمة معرفية أخرى في وسط لم يعد أيدلوجياً كلية، لكنه وسط جدلي يعتمد ولع المخاتلة, ومحاولة لي عنق النظريات لتلبي حاجة أي من الأطراف لإقامة براهين على صواب أدائه.
تبقى المسألة مرهونة بالموهبة الشخصية في الدفاع عن خيارات سياسية لا علاقة لها بالتنظير ولا تحتاج إلى كتب.
قد تجعل الأعداد الكبيرة في مكتبة أحدهم من قصاصة سلاحاً في جدل سياسي، ولا تجعل من دماغه آلة دفع الأمور والخيارات في أي اتجاه.
ثم إن وجود مذكرات ساسة يهود في مكتبات: قحطان، والعواضي، ومحمد الصبري بأعداد وعناوين متقاربة لها من الدلالات التي تشير إلى فكرة الثقافة العامة، والباقي مجرد تفاصيل.
في مستوى آخر وفي أعتى تجارب الأحزاب الأيديولوجية في اليمن، ما من مؤلفات لرموز أي من هذه التيارات، ولم تتخلق ولو حتى حالة تالية لما بعد الأيديولوجيا، يمكن من خلالها تداول المكتبات اليمنية لمؤلف ضخم أنجزه اليدومي قبل مغادرته الأمانة العامة للإصلاح. ويمكن من خلال هذا المؤلف الضخم التقاط خيارات الإصلاح في المرحلة القادمة؛ باعتبار هذا الكتاب هو التجلي النهائي لحاجة الإصلاح وسعيه للانتقال من جماعة مؤمنة إلى حالة محاكاة لأفكار جماعات الإسلام السياسي المنفتح، الذي يطلق البعض على مؤلفات رموزه "مؤلفات النظرية الإسلامية الثانية".
لقد ألف اليدومي كتاب "حتى تستقيم الخطى" دون أن يكون لذلك الكتاب أي علاقة بأي تنظير، هو نصيحة بالغة النزاهة لرجل مؤمن حقاً، ملتزم بفكرة الاستقامة والطهر في الطريق إلى الآخرة.
ولم يكن كتاب "حتى تستقيم الخطى" محاولة للحفاظ على رأس المال التنظيمي المؤمن، ولا حتى نتاجاً لرؤية خلص اليدومي من خلاها إلى أن بقاء التنظيم مرهون بالعودة إلى الأصول وأبجديات التدين؛ باعتبار الكتاب جهداً تنظيمياً من أي نوع.
كل ما هنالك أن الرجل مهتم حقاً بلفت انتباه الناس لأهمية استقامة الإنسان وقوة عقيدته في حالة عامة من اعوجاج الخطى. نصيحة إنسانية لا أكثر ولا أقل.
رواية "جمعة" هي الأخرى عمل بالغ الخصوصية لرجل لديه جوع إلى الإنسان، أنجز رواية لا شيء فيها أكثر من رائحة الرحمة..
الرحمة تنبعث من كل صفحة في رواية "جمعة": الرحمة والنخوة ورثاء المصير الإنساني، وهذه واحدة من مكونات شخصية الدكتور ياسين الإنساني للغاية.
حاول تصفح "عبد المرتجى البواب" وهو عمل سلس لا يمكن تصنيفه؛ فهو يسرد خلاصات عقل صافٍِِ يمثله البواب لمرحلة تاريخية مهمة، دون أن تتمكن استعداداتك المسبقة من التقاط أي نكهة للتنظير المستخلص من التجارب ببراعة.
هذا ما كنت تظنه، وإذا بكل مقاربات عبد المرتجى البواب، رغم احتشادها بمفردات هدوء وموضوعية ما بعد الحاسة التنظيرية، إلا أن هذه المقاربات تشكل تلك النكهة الخاصة الإنسانية لرجل لا يعيش أيامه الأخيرة، بقدر ما يبحث عن وجود إنساني ملائم من خلال الذاكرة.
إنه - كما هو الحال في كتاب الدكتور ياسين عن عبد المرتجى البواب - محاولة تطويع للذاكرة والحياة على حسابها.هي عاطفة الدكتورياسين تجاه الناس والأشياء.
لكأنه فقط أراد لعبد المرتجى البواب وجوداً ملائماً ولم يخطر للدكتور، من قريب أو من بعيد، استخدام صوت عبد المرتجي لإنجاز مقاربة ثقافية سياسية من أي نوع.
مكتبة الصبري- المثقف الناصري- لا تخلو هي الأخرى من مطبوعات مركز دراسات الوحدة العربية.
لديه هيكل، وتنظيرات أيقونات اليسار, لكنه وفي كل مرة يلتقي مع حسن زيد في خيارات مهمة أثناء أنهماكهما معاً في أداء سياسي لمشترك مدفوع بوجود القوى وتمثيلها، وليس مدفوعاً بجود تقارب لا إرادي بين مؤلفات شريعتي، والدكتور الترابي، ومركز دراسات الوحدة العربية...
رغم أن هذا التقارب هو ما يظنه المتململون عادة من ماضي احتكار الحقائق، ملمحين أحياناً إلى أن ما جاء في مقاربات مثقف يساري كنديم البيطار في الستينيات (مثلاً) تكاد تقارب خلاصات سيد قطب في "معالم في الطريق", وأن الأفكار آخر الأمر تقاربت بفعل انفتاح الجميع، وخلص هذا الانفتاح إلى حالة من التجاور المدهش بين كتاب "رأس المال" الموجود في مكتبة قحطان، ومؤلفات شريعتي الموجودة في مكتبة حسن زيد.
يقرأ العواضي استخلاصات نابهة لمذكرات ونصائح سياسية، مقتضبة تشتغل أكثر على الواقعية السياسية الأقل تنظيراً، دون أن يكون لهذا علاقة بكونه قيادياً في حزب وثقافة الوسط الذي يفترض أن يمثله المؤتمر.
على أحدكم مراقبة وتتبع المحاججات السياسية والتصريحات في القنوات الفضائية أو الندوات هل تذكره تلك التصريحات والمقاربات بأي كتاب؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق