الخميس، مايو 02، 2013

صباح الخير


محمود ياسين

يبدو أنني قد علقت في هذا العمود وانتهى الأمر، وكأنني برنامج أوراق ملونة، ولست هنا لأسمي قرائي متابعي "ما يطلبه المستعمون".

لا أدري من قال إن الحرية التزام من نوع ما، وها أنا أستدعي مقولة لملبق عالمي لا أعرفه، ليشهد أنني إذ ألتزم بعمودي هذا، فإنما أمارس حريتي بشكل مختلف، غير ما ذهبت إليه سابقاً من أن الحرية هي التخلي عن أي التزام لأتخلص من التزامي اليومي هذا.

أخبركم سراً: الأمر ليس صعباً، ويمكن الكتابة كل ساعة، ولكن عليّ أن يكتب أحدنا ما يخطر له، وما يعن له، متخلياً ليس عن عمق الكتابة، ولكن عن الإلحاح على مواضيع السياسة والمواقف والتحليلات. ذلك أن هذا العالم يدور بلا ملل، مخلفاً حكايا ومآثر ومفارقات، ويمكن الخوض في المقالات هذه في آخر عروض المسرح العالمي وبهلوانيات الحياة الشخصية للمشاهير، ناهيك عن أرتال من خيبات النازحين والمهجرين والمغتصبات.

بوسع أي منكم الكتابة لو أراد، ليس الأمر متعذراً البتة، كن أنت فحسب، وحول انفعالاتك لكلمات دون أن تسترضي منهجاً مزعوماً للكتابة.

نزلت عدن لأنجز أول استطلاع صحفي لي في حياتي، وكان لديّ الشغف وقصاصات ذهنية من الكتب التي قرأتها، وتحديداً أدب الرحلات.. كان ذلك اختباراً مهماً لي، وعليّ أن أنجح في أول مهمة صحفية قد تمنحني الوظيفة التي كنت أحتاجها بشدة. وعندما عدت من عدن، وأمسكت القلم والصفحات أمامي بيضاء مستلقية أشبه بتحدٍّ جنسي يختبر كل ادعاءاتك الفحولية، فارتعبت أول الأمر من أين أبدأ، أو ماذا أقول، وهل يجدر بي البدء بمدخل لتاريخ عدن، أم أبدأ ببعض المعلومات. غير أن شيئاً ما همس لي من كتاب قائلاً: قل ما لديك. وكتبت ما لديّ كمن يحكي لأصدقائه حكاية ذهابه لمكان ما، وما الذي صادفه أو خلص إليه، وبلهجة تلقائية، فتدفقت المعلومات، ووجدت أسلوبي الشخصي من أول محاولة، وكان استطلاعاً جيداً بالنسبة لمبتدئ، ناهيك عن أنني حشدت فيه كل براعتي وشغفي في استعراض الحكايا ورثاء النهايات، إذ إنني لطالما شغفت برثاء نهايات الناس والأشياء على غرار نهاية الشاعر الفرنسي رامبو في عدن، والذي غادر باريس صوب أفريقيا، ليعود منها كما قال: بأطراف حديدية وعين غضوبة وجلد غامق اللون.

وأنا أوردت مقولة رامبو هنا لتعرفوا المنابع التي يستمد منها أحدنا لكنة الأسى المختلف والجذاب. وهكذا منذ العام 98، في استطلاع عدن لمجلة "نوافذ"، وأنا أكتب. ولقد حصلت من هذه الكتابة على دنيا لا أدري ماذا كنت لأجابهه أو أعيشه من دنيا أخرى في حال هاجرت للسعودية مثلاً، أو شرعت في عمل آخر.

جل ما أنا متمسك به هو مشاركتكم حالة ولع معرفي وانحياز إنساني، مستميتاً ألا أخدعكم، ولا أكتب ضمن أجندة أية جماعة. أما التيارات فهي تجتذب أحدنا ذهنياً وأخلاقياً، فلطالما أحببت تيار وعي التحديث كاهتمام لاحق لهمي الشخصي في اقتفاء لكنة الأسلوبية، وتقديم عرض مدهش نوعاً ما. ذلك أنه لا أحب إليّ من أن أدفع أحدكم للابتسام حتى وأنا أكتب له تحليلاً سياسياً مضنياً، أو أتمكن من خض وجدانك يا صديقي، وأدفعك لحالة من التعاطف والانحياز لضروب الحياة المخذولة.

وها أنا أمضيها كل الانفعالات، وأبشر بالأفكار وبعض السياسيين، وأنا الذي لم أترك لي قوياً في صنعاء إلا ونقدته بطريقة ما، دونما حاجة للعب دور بطل، فأنا لا أستعذب هذه الصورة، بقدر ما أشرت هنا لأقوياء صنعاء باعتبارهم أصلاً هدفاً للصحافة، وما أسعى إليه في المحصلة هو صحوبيتكم أنتم، ولقد كتبت وحاولت وأصبت وأخطأت، لكنني أقسم إنني لم أكذب عليكم يوماً بتخطيط أو بقصد، إذ قد تفلت مني محددات الرؤية، لكن هذا هو الحال؛ يجهد أحدنا في أن يكون لائقاً وكاتباً يحظى بمثقفين شغوفين بما يكتبه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق