الخميس، مايو 02، 2013

شفر موتورز


محمود ياسين

اليوم تقاصرت صنعاء وأنا أمخر الشوارع بالشفر التي لا زال نصف ثمنها ديناً، لكنها أصبحت لي كلها، أقود متخيلاً إشارة (×) شفر متعالياً على الهيونداي، ومكتشفاً عيوب الصناعة الكورية مقارنة بالأمريكي.

وهكذا بلهجة منحاز لمن يحب، حتى أنحاز لأمريكا ضد كوريا الشمالية، وأضحك من تطاول الكوريين على أمريكا صانعة الشفر التي كانت تزمجر تحت قدمي مثل أسد فرح بنفسه. العجيب أنني رحت أفاضل بين كوريا وأمريكا، فأنا دائماً أكتشف مزايا من أحب، وأتشاحف لأقاربه، وكل ما يمت له بصلة. وهكذا أصبحت أمريكا كلها عائلة سيارتي العزيزة، وأنا الذي لطالما ذرعت شوارع الحصبة مشياً على الأقدام، أحلم بجائزة نوبل، لكن مع الشفر دفع رباعي لا تعود بحاجة لنوبل.

جنرال موتورز (كبير العائلة التي تنتمي إليها سيارتي) تربح كل عام ما يتجاوز الدخل القومي السنوي للكوريتين. هكذا أخبرت نفسي دون التأكد من صحة الأرقام، إذ لست بحاجة للدقة في حالة الوله التي تمر بها.

أفكر الآن بالبلاد وشوارع إب، وتحديداً شارع العدين، حيث أملأ خزان السيارة من محطة الشميري، وأنطلق في شارع العدين والسندوتشات وطريق العودة من مدرسة النهضة، ودكان خالي الذي كان. شارع العدين الذي تحول مؤخراً إلى بطل مهم في روايتي الأخيرة (قبل أن أقتل رويدا). شارع العدين الذي تنعطف من منتصفه إلى المركزي، تشتري القات المريسي، مدعياً أنه ميتمي، وتنطلق بالشفر إلى المنصوب مفرق البلاد.. يجب أن تكون سيارتك شفر لتنطلق إلى مفرق البلاد، ما لم فيمكن تسمية الأمر شيئاً آخر غير الانطلاق.

نصحني صديق البارحة بعدم تكرار الحديث عن السيارة، حتى لا أبدو "قليل إلف". والحقيقة أنني قليل إلف جداً، وخصوصاً تجاه السيارات، لذلك سأتحدث بنوايا خيرة قد توفر لي عندكم بعض التغاضي، وأنتم ترون أنني أنوي حمل كل من أصادفه من مفرق المجمعة، فالشفر قلبها واسع تكفي الأحبة والعابرين، وتقوم بكل الذي تدعي الصالون القيام به دون غيرها.

نحن أبناء الطبقة المتوسطة، نحتفظ بأحلامنا الطفولية، ونعيشها، متخلين عن تعالي المثقف الذي تتساوى عنده الأشياء.

كيف سيكون طريقة الدنوة الفرعي على متن الشفر العملاقة؟ كيف سيكون إحساسي تجاه "شرف الظبر"؟ هذا الشرف الذي لطالما بدت منه على بعد الدنوة هناك قابعة في مساء العائد اليومي من إب يمشي في العتمة وأحلام اليقظة وحفر مياه المطر التي خضبتها السيارات التي مرت جميعها قبل ترجل الراكب في المفرق.

اكتشفت اليوم أنني سائق بالفطرة. حتى الآن ولا غلطة واحدة، وتبين لي أنني لست عبقرياً البتة، كما حذرني صديقي من شرود العبقري الخطر أثناء القيادة.

لقد حصلت على دركسون وجهاز تسجيل بسماعات مذهلة، وحصلت على حرص السائق مقابل التخلي عن وهم العبقرية.

بقيت مساء البارحة مشغولاً بالسيارة، وكل شوية أطل من النافذة خوفاً من أن يسرقها أحدهم، غير أن السيدة "شفر" جاهزة للتعامل مع هكذا معضلة، إذ علمت لاحقاً أن الشركة قد وضعت حداً لطموحات السرقة، وقامت ببرمجة المفتاح مع الماكينة التي تزمجر.. لا أحد يمكنه سرقة فرد من عائلة جنرال موتورز العظيم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق