الخميس، مايو 02، 2013

كن بخير يا أبا خالد


محمود ياسين

باسندوة انفطر قلبه، ولنتمنى الشفاء لـ"أبو خالد"، فهو كان يظنها خطوة أولى، ثم يصبح رئيساً، وتتحقق النبوءة، وممكن يمشي الحكومة بإظهار الطيابة ورقة القلب، ولم يدرِ إلا وقد قدمت له النبوءة فاتورة باهظة، فالرجل كان ينام تمام الـ11، بعد أن يتصل بالرئيس علي عبدالله صالح، يعاتبه على الإهمال، ويردد وهو يجهز المخدة ويوضعها لينام: دع الأيام تفعل ما تشاء، وطب نفساً إذا حكم القضاء.. وينام، ويصحو طيب القلب، والناس ما يخافوش منه، ويحملونه على السلامة وطيب المعشر وصفاء النية. هناك رجال يمضون حياتهم على رصيد الطيبة وأمان الجانب، ويحصلون على فرصتهم التاريخية من الحاجة لحل طيب يرضي جميع الأطراف. فالحياة بين الوحوش يستلزمها أحياناً لعب دور الحمل الذي يتقدم في السن دون أن يفقد ملامحه الحملانية الوديعة، وقد تسلم أبو خالد جائزة هذه الوداعة على هيئة لقب "دولة رئيس الوزراء"، ليفاجأ بعدها أن الدموع وحدها لا تكفي، وأنه حتى الذين اعتبروه "الحل الطيب لجميع الأطراف"، يوشكون بطريقة ما على ترقيته من حمل إلى كبش فداء. ارتبك، وحاول أن يبدو غاضباً، وأن يظهر للمستهترين بدولته الجانب الصارم من شخصيته، ولم يلحظ أحد هذه الصرامة الحزينة، أو يأخذها على محمل الجد. الصحافة تولت البقية، وانهار أبو خالد، ولا يبدو أنه لا يزال يريد بقية النبوءة.

لقد فوجئ الجميع بثقل ما بعد صالح، وأن الأمر ليس هيناً، وليس مجرد إزاحة أيقونة قبلية عشائرية بحجم صالح الذي كان أسلوبه المغالط مع المجموعة، قد منحهم وهما ًخادعاً بالمراهنة على زوال سبب مشاكلهم المباشرة، وتزول بالتالي مشكلة إدارة البلد. هذا بالطبع مع تمتع جميع القوى بإدراك واعٍ لحقيقة أن المشكلة أعمق من أسلوب علي عبدالله صالح، لكن غالباً ما يرجئ المنفعل حقائق مهمة أثناء استماتته في التخلص من السبب المباشر لإحساسه بالغيظ وقلة الحيلة. يعني الحكم على المستقبل بالمشاعر الطارئة، وليس بالإدراك الواعي.

كان من المهم للغاية رحيل علي عبدالله صالح، لاختبار طاقة البلد ومواردها، وقدرتها على تحقيق ذاتها، وليس ليشعر باسندوة بغبطة الإنصاف وعدالة السماء على إيقاع الجذل الذي ينتاب إنسانا ًبدأ يلامس برد اليقين في تحقق معجزة. المهم أن "عفاش" اضمحلت سريعاً، ولم تكن بمستوى كفاءة "الملكية البائدة والكهنوت"، التي بقيت تعمل بكفاءة كغطاء ناجز لكل خطايا ما بعد ثورة سبتمبر 62.

ولقد تعقدت الأمور كثيراً الآن، وأفلتت السيطرة حتى من تأثير النوايا الحسنة لبعض قيادات المشترك، ذلك أن وضعاً جديداً قد تخلق بمعزل عن أصابع الجميع. هذا بالطبع لا يناقض فكرة العصابة القديمة واستمرارية منهجها, لكن أوضاعاً معقدة تتمكن من إرباك القديم مهما كان ضعف الجديد، وإذا بنا نقف في فراغ لا هو دستوري ولا هو سياسي، ولا يمكن تصنيفه أو البحث عن كتلة معينة لملئه.

يمكننا، إذن، التلهي، وتزجية الوقت السياسي بتحليل ضعف باسندوة وقوة حميد من خلفه، وحكايا الخصومة بين الرئيس ودولة "أبو خالد"، والرئيس ينفي بنبرة من تورط في رئيس وزراء لا يدري كيف يتخلص منه، ولا كيف يتخلص من الشعور ببعض الذنب تجاه دولة الرجل المريض الذي قد يتماثل جسده للشفاء، وتبقى دولته معتلة.

لا أحد بريء: حتى باسندوة. نعرف جميعاً أننا أضمرنا طموحاً مشتركاً واسع النطاق لغنائم ما بعد صالح.

والشاطر لن يضحك أخيراً، ذلك أن بحيرة من الرمال المتحركة قد فاجأت الكل. سنرجو بصدق سلامة قلب الرجل الذي تلقى ضغطاً أكبر جداً من طاقته، ومن طاقة البلد.. ولنأمل مجدداً بدور رئاسي أكثر تماسكاً وضبطاً في إدارة البلد، على أن ندير جميعاً حياة سياسية تتميز بحالة جماعية من الإنهاك وتبادل اللوم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق