الثلاثاء، أغسطس 10، 2010

الرجل الأصفر

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

ضيق أفق الحياة في اليمن هو ضيق التفكير أصلاً، أو المراهنة عليه.

أعرف رجلاً قرر التخلي عن كسب عيشه من المقاولات وكسب احترام الناس لفكرة المقاول وقرر إنشاء صالة عرض أزياء ظننتها نكتة غير أنه كان قد أحضر إلى جلسة مناقشة تحوله التاريخي مجموعة دراسات جدوى ومطبوعات عالمية متخصصة في الأزياء وأسهب في الحديث عن أهمية المشروع.

الرجل ليس أنيق البتة، فهو يرتدي كوت أصفر وثوب أصفر ويضع شالاً أصفر أيضاً. ويبدو كمن يتبع طريقة في إبعاد الجن والحسد. أهم ما في هذا كله هو في هذه الطريقة التي اتبعها الرجل الأصفر في الخروج من حالة "القِمر" (بكسر القاف) واعتماد أفكار جديدة في العيش.

لا أظنه سينجح؛ وقد يتجول آخر الأمر في باب اليمن باحثاً عن سائح ما قد يبيعه ما تبقى من مقارم ومقاطب دار الأزياء.. غير أنه سئم المقاولات وإمضاء المساء يفكر في الخشب والسقالات وأسعار الحديد، ناهيك عن أنه على وشك أن يفلس وقد أخبرني أيضاً أن النوم بشخصية مقاول تسبب له الانقباض وتجعل حركته الليلية أشبه بحركة حيوان متوجس عليه دائماً النوم بعين واحدة.

لديه قائمة بمكاسب صالة عرض أخبرني أنها في باريس وقد شاهد مؤخراً برنامجاً في القناة الألمانية عن رجل كان ضائعاً ثم بعد خروجه من السجن أنشأ صالة عرض أزياء، وأصبح شهيراً وصديقاً لمايكل جاكسون، الغريب أن الرجل الأصفر هذا ليس مثقفاً، وليس متأثراً ببرامج التنمية البشرية.. كل ما هنالك أن لديه تلك الموهبة في التجريب واعتماد طرائق جديدة بما في ذلك التفكير جدياً في شراء سفينة صغيرة وكسب عيشه من خلال شخصية قبطان ليس عليه التفكير إطلاقاً في كلمة "مستخلص" على أن مستخلص هذه هي أكثر الكلمات التي كانت تزعج الرجل الأصفر.

أشار في آخر لقاء لي معه إلى رجل من البلاد جاء ليقترض منه تكاليف المستشفى وقد تمنى بصدق لو يبدل رجل المستشفى هذا من الكلمات التي يستخدمها للحصول على النقود، وكيف أنه منذ عرف أن بينهما قرابة لا يفتأ يردد: معي مرض.

لعين هذا الرجل الأصفر، يخوض بثقافته العادية جداً التغيير وفي جوهر التحول الإنساني برمته. لم يقل ولا مرة واحدة أثناء عرضه المتكرر لمشروع الأزياء إنه ينبغي للقوى السياسية التفكير بطريقة جديدة، أو أن يصل به الأمر إلى اقتراح اعتماد المثقفين مفردات جديدة قد تفضي آخر الأمر إلى شيء مختلف.

هو فقط يتبع غريزة لا يدري عنها شيئاً، تلك الغريزة التي نقلت مهنته من مأمون محل يكتب البصائر وعقود الزواج والطلاق إلى مقاول. ذلك أنه كره ذات ليلة فكرة الإمام الأكبر من عشرينات عمره، واقترح فكرة المقاولة دون أن يخطر له ولو لوهلة فكرة الشجاعة والمصير الإنساني. ربما كان عقود الزواج والطلاق قد مكنته من إدراك حمق البشر في عملية تكرار التعرض للورطة ذاتها واعتماد الطريقة ذاتها في الخروج منها.

قد يخسر الرجل الأصفر غير أنه بالتأكيد سيجد فكرة جديدة.

المصدر أونلاين
2010-07-02

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق