الثلاثاء، أغسطس 10، 2010

ما هو جدير بالشغف *

محمود ياسين

لطالما حلمنا بمطبوعة ثقافية مختلفة – وأردنا الإفصاح عن انحيازنا للجديد- دون أن يدري أحدنا، على وجه الدقة، لم هذا الإصرار على تجاوز المحاكاة وإعادة إنتاج نسخ معدلة من "اليمن الجديد" أو "أصوات" مثلاً، دون أن نكره أياً من المطبوعتين، أو أن أجرؤ أنا بشكل شخصي على كراهية مطبوعة كـ"أصوات" – فذلك يعني كراهية مرحلة لا تزال بكامل عنفوانها.
تسرَّب شيء من هذا القبيل -أثناء إعداد (صيف) – تسرب شغفنا بالمغايرة على هيئة شائعات ودلائل تؤكد اقتراب هذه المجموعة من كرامة حداثيي البلاد.
لا شيء من هذا القبيل، كلما في الأمر أنه بوسع شاب في العشرينيات -يدرس في إحدى ثانويات القرى -التجول في صفحات (صيف) كموضوع ملف فيه صور لطفولته ومسودات أعماله.
في الأمر قدر من السير وراء الأحلام ومحاولة اكتشاف فنانين كبار صغيري السن.. هل بوسع الحماسة الذهاب إلى الأقاصي وخلق حالة فنية أدبية قصيرة الطرق، نبحث عن شبان قادرين على الكتابة ولديهم رؤية، قرأوا كتباً كثيرة ولديهم تلك النظرة السحرية للعالم، لكنهم يعانون من معضلة وعي الذات.
هذه المطبوعة لا تؤسس لمرحلة ولا تضع حداً لأي شيء.. إذ لم يدَّعِ محمد عثمان – مدير تحرير (صيف) -أنه من خلال هذه المجلة يحاول تخطِّي تجربة "طائرة ورقية"، أو أن يقوم أحمد السلامي بمحو تجربة مجلة "الثقافة" من خبرته. كل ما في الأمر أن هناك طريقة أكثر ملاءمة في مجلة "صيف".
بودنا لو يفكر الناس على طريقتهم وليس على طريقة أدوات الحداثة، وأن يغضب أحدهم دون أن يردد بالضرورة أشياء من قبيل التابو والمقدس- بإمكانه ترديدها – لكن ذلك ليس ضرورياً فحسب.
فكرت أن يكون أول ملف عن الشاعر (طه الجند)، فأطرق طه بوجل كمن يفكر في عرض الشيطان الذي يسعى لإغوائه ووضعه في مجابهة الأب -وطه يكتب قصائد بوده لو تحصل على مباركة دائمة- مع أنه لم يؤكد أحد إلى الآن أن ثمة رجلاً قد أعلن نفسه أباً وموضوعاً وحيداً لملفات صحافة الثقافة.
في هذا العدد ما من نصوص متلاحقة، وما من إشارات تأكيدية لكوننا مطبوعة أدبية ثقافية..
صحيح أن اللكنة في المجلة لكنة ثقافة وحداثة.. لكن الأمر ليس واجباً تجاه ما يُردَّد على أنه (ساحة فقيرة من الصحافة الأدبية) بقدر ما هو نوع من التثاقف الذكي والمرح... شيء من قبيل تحويل ساعات التهكم ورثاء أنماط التفكير المضرة إلى صحافة.. والأمر أولاً وأخيراً في "صيف" هو نوع من التفكير بصوتٍ عالٍ، دون أن نتخلى دائماً عن شغفنا بالروائيين وحكايا اللوحات العظيمة وأسماء قاعات العرض وترديد أسماء البلشواي والأجروف وبحيرة البجع واستعراض العلاقة المدهشة بمخرجي هوليود وممثليها المختلفين.
على غرار الوله الجماعي بشخصيات من نوع روبرت دنيرو. سنبقى محتفظين بأرقام أصدقائنا في الحداثة، فهذا ما نحن عليه.
أشكر كل الذين ساندوا هذا العمل، وأظنهم أكثر امتلاءً من الحرص على أن أذكر أسماءهم، إنهم ذلك النوع من رجال أقوياء يثقون بك ويجيدون الثقة..
وبودي لو يدرك من اقترحتهم كموهوبين محتملين لا تزال صدورهم مليئة بالهواء النظيف – بودي لو يثقون في طريقة تفكيرهم ويحاولون الكتابة لـ"صيف" بلكنة من يكنّ احتراماً عميقاً لطريقته الشخصية في التفكير... وعلى أن هذا الموهوب الوجل محق في ربط الماء بالقمر بالجثث، أو ربط أي شيء بشيء لا يذكره، وأن هذه الطريقة ستدهش أذكياء يطلق عليهم (عالميين) أو حاصلين على نوبل على وجه الدقة.
أكتب يا فتى، نحن نرى إلى أي مدى أنت محق.. سيقرأ لك مثقفون في هذه البلاد وفي أربع عواصم عربية ستوزع فيها (صيف).
وحين يقاوم الموهوب إحباطاته في إحدى بوافي الدائري أو مساءات قرى الضالع بينما يتجول اسمه في الدار البيضاء فذلك جدير بالشغف.

* افتتاحية العدد الأول من مجلة "صيف" يوليو 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق