الثلاثاء، يونيو 29، 2010

(أنا معجب بك من سب الجنوب)

محمود ياسين


هل سنجد طريقة ملائمة للعيش؟
إننا يوماً فيوم نتورط في خيارات الخطأ.. أصبحنا جنوداً في معاركه بصعدة، وأقداماً في زحام تبرم الجنوب.
لطالما اعتقدنا أننا أصدقاء روائيين عالميين ومراقبي آخر مدارس الإخراج السينمائي..
كنا يوماً ما رفاق براندو والمدركين للغاية كم أنه ممثل مختلف يقصد إدهاشنا أكثر فأكثر..
نحن مجموعة كانت بصدد فهم الموسيقى على نحو ملائم، ولم نعلن أننا سنصدر مجلاتنا الأدبية المتخصصة وننتهي قريباً من أول رواياتنا، لكننا نوينا فعل ذلك كله متخلين عن أشياء من قبيل ترك شعر رؤوسنا منكوشاً، والتصرف بغرابة، فذلك لم يعد مهماً ولا مقبولاً في حياة الفنان. غير أننا عدنا إلى ذات الخندق الذي مات فيه أجدادنا في مجابهات العرقية المدفوعة بآلة اقتصاد الغزو.
هكذا، وأثناء بحثنا الثقافي الذكي عن إجابات لأسباب موت أسلافنا، انشغلنا بانتظار موتنا.
توقف أصدقائي عن تبادل الروايات ومشاهدة آخر الأفلام.. لم يعودوا يجدوا ذلك الرابط المدهش بين مغرب صنعاء والكلمات الأخيرة من رواية "الغثيان". لا أحد يجد الوقت الكافي لاستضافة سارتر والسخرية من الافتتاحيات الرسمية ذلك أنهم منشغلون بالجنوب، كما أراد الخطأ تماماً وضمن عمله الدؤوب في اختيار نمط العيش في مستعمرته.. إنه يحدد وجهة الموارد وسبل الإنفاق وأولويات الجغرافيا السلطانية، ومن مع من ومن ضد من، ليس وفقاً لحاجة الأضداد والمتناقضات للعمل سوية أو الاختلاف على أنماط التنمية، ولكن لأجل "الفوضى الخلاقة".
يبدو أننا لا نصلح لغير المجابهات على من يحب الوطن أكثر، ومن هو الممثل الشرعي لجملة ثوابت يتلاعب بها الوضع التعيس ببراعة.
فقدنا عبدالكريم الخيواني في ما هو ملتبس بين صنعاء وصعدة.. وددنا لو يحاكم كصحفي، غير أنه مجبر على لعب دور (فقرة لم يجدوا لها فراغاً في اتفاقية الدوحة). يحاول عبدالكريم إقناع تهمته بهوية غير ملائمة لحاجة وضع على عجلة من أمره. وضع يحدد ما الذي ينبغي على أحدنا الانصراف إليه كلية..
الوضع الخاطئ لم يدفع أحداً ذات يوم للانهماك في الربح أو الجنس أو تكوين عصابات شوارع... لقد دفعهم جميعاً إلى الخندق.
يستسلم الناس في الدنيا كلها، وفي دول الجوار، لإملاءات وضع قد يكون قاسياً نوعاً ما، غير أنه واقعي.
قَبِل الناس في السعودية، مثلاً، الانهماك في استيراد الأرز والعمالة الرخيصة.. مذعنين لتفسير مفهوم الاستقرار ضمن اتفاقية "الطاعة مقابل الرفاه".
ودفع الشرق آسيويون للحياة بشخصية أجهزة رقمية ملاحقة بإنجازات رقائق سليكون الغرب.
ربما في الولايات المتحدة وغرب أوروبا فحسب يختار الناس للوضع هويته وربطة عنقه، ويدفعونه لتملق أكثر نزعاتهم مدعاة للدهشة.. في حين لم يتورط أحد في بقية العالم غيرنا في هذه الخدمة الإلزامية في نزاعات الجغرافيا السكانية.
مستقبل الجميع مرهون بمواقفهم من جملة نزاعات منذ مؤتمر حرض وحتى تطور مطالب النوبة من معاش وضمانات تقاعد إلى تأسيس دولة شقيقة.
على مدى عقد من الكتابة ونحن نعامل لاستصدار هوية صحف لكن الجميع مصر على كونك زعيم جماعة سرية تناضل لتحرير أحد الأقاليم.
وأنه لمن المؤسف والمثير للدهشة أن يرتدي أحدنا جنبية ويلقي عليه قارئ من عدن القبض مرتدياً غرماءه التاريخيين.
هكذا فسر الأمر: كتبت دفاعاً عن أخلاق المدنية فظننتك من عدن.. وإذن، فأنا جاسوس متنكر في معسكر الأعداء، وتم إبلاغي بتهمتي تلك أثناء بحثي عن شاحن- لا أحد يدعك تقتني شاحناً.
قبلها كنت بصدد ادعاء الاهتمام بأحوال مجموعة أصدقاء وأين يعملون الآن.. فأخبروني أنهم من الضالع.
بتلك اللكنة التي يجيدها أهل أسبرطة ملقين باسم مدينتهم في روح كل من تسول له نفسه. أصبح هذا ضالعياً مؤخراً وعبدالكريم هاشمياً بعد صعدة.. أنا من إب منذ زمن بعيد، وأصبحت شمالياً مؤخراً.. وهكذا.. وهكذا وأثناء ملاحقتي لأوراق معاملة البصمة بوكالة سبأ، كان علي قطع وعد لأحدهم، حتى يفلت يدي، بالذهاب معه إلى مسدوس في أقرب وقت. كنت ألهث على الدرج، ذلك أنني أقوم بكل شيء في اللحظات الأخيرة.
تعرفون متأخراً يلاحق قطيع موظفين شارداً، ويعتبرون هذا التأخر نوعاً من التعالي..
كنت أجري لاستكمال أوراق هوية موظف -والمختص بآخر ورقة غادر البوابة وسيركب التكس، وهذا آخر يوم، وأنا أجري وأحدهم يجري خلفي صارخاً: أنا معجب بك (من سب*) الجنوب.

....................................
* من سب: تعني في اللهجة العامية، من أجل..

اسبوعية الشارع
مارس 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق