الثلاثاء، يونيو 29، 2010

خط الدفاع الأخير

محمود ياسين


لا يوجد خط دفاع أخير في هذه البلاد. المسألة من أول فكرة الدولة إلى حياة أصغر جندي مرهونة بضمير أطراف الصراع.. أي مسألة أخلاقية صرفة. لم يحدث مثلاً أن تدخل نص دستوري بعصاه الغليظة هامساً: دعوا الناس ينامون بهدوء. يعتقد المثقفون وقدامى رجال التنظيمات أن الأجهزة الأمنية مجرد تعريف خطير للغلط.. أي الخطأ الذي تلقى تدريباً جيداً ولديه تصريح بالعمل حتى ساعة متأخرة من الليل. الأجهزة لا تحاول إثبات شيء، والجميع يلعب دور اللامبالي ببراعة..

فكرت أثناء مشاهدة فيلم أمريكي عن مجموعة رجال يحمون الولايات المتحدة من أخطائها باعتبارهم (العم الذي لا يتفوه باسمه أحد). أترى هذا ممكناً عندنا: مجموعة رجال يتجولون بين البونية؛ حيث رئاسة الوزراء، والستين؛ حيث الرئاسة، وشعوب؛ حيث الأمن القومي.. شكل من تنظيم سري في دهاليز الدولة يعمل حتى ساعة متأخرة من الليل.

مع مرور الوقت يقع الناس في الفخاخ كأن يقبل المثقفون تسرب فكرة (الوطنية فضيلة الفاسدين) إلى وعيهم الباطن.. وأصبح على هؤلاء تجنب أن يتحول أحدهم إلى مجرد (افتتاحية صحيفة الثورة). وهكذا ترتبط مفاصل الهوية بأنماط خاطئة للسلوك الرسمي وتقع ضحية رد فعل على هذا السلوك. حتى أن فكرة الدفاع عن الوطن أشبه بدعابة قديمة.. رغم أن أحداً لم يعد يضحك من دعابة رسمية كتلك. ثم إن مثاقفة (الوطن- الأمن- الاستقرار- السلم) مجرد محاججات مملة لأمين صندوق يرفض منح المتقاعدين حقوقهم. لقد أنجز الجميع أكبر عملية تاريخية في السخرية من مقولات الثورة والوطن.

أهداف الثورة الستة كأنها السيرة الذاتية لعلي ناجي الرعوي.. ما ينشر وما يتم تداوله أشبه بأدبيات تنظيم جهادي يتفاوض مع دولة لا تعترف أن الإسلام هو الحل، ولا يضع رجال التنظيم الشعار على طاولة المفاوضات. كل ما هنالك أن أسباباً أخرى للصراع هي ما ينبغي الانصراف إليه كلية، إذ لا وقت للأدبيات.

لقد ارتبطت الوطنية في ذهن مثقف كعبدالباري طاهر بالاعتقالات وبالمحاصصة بين طرفي الوحدة، فراح الحزبيون ومثقفو اليسار يتحسسون أطرافهم كلما مروا بفكرة الوطنية التي صارت تلك التحية المسائية التي يلقيها فاسد على جيرانه الحاقدين.

لا أذكر أنني تأخرت يوماً أثناء انشغالي مع صديقي ماجد بالبحث عن طريقة لإنقاذ الوطن.. أو أنني لم أتقاعس بدرجة كافية مع ولع نصر طه بالوحدة الوطنية.

كان الأمر منذ البدء الحلم بخط دفاع أخير، وإن لم يكن جهازاً أمنياً، ولا نماذج مستنسخين من فيلم، يمكن التعويل على فكرة (الدفاع عن المكان الذي تعيش فيه).

إذ أن تبول أحدهم على مخدتك لا يعني التخلي عنها لفضلاته، أين تضع رأسك يا رجل؟

ثم إن نموذج الديمقراطية الليبرالية الذي تحبه وتدين بجزء من دوافعك الحقوقية لتجربته، فيه أجهزة أمنية ومثقفون مولعون بألوان العلم.

ربما منحتهم الولايات المتحدة أسباب ذلك الولع، والأمر شكل من مقايضة عادلة بين الناس والوطن.

لكن رجالاً أسسوا منذ البداية لهذه الشخصية العالمية الفاتنة -ولولاهم لما تمكن أوباما من تقبيل زوجته على ذلك النحو، معلناً عن ميزة إضافية لرجل ملون يسعى لقيادة أمة أغلبها من البيض.

صحيفة الشارع
بتاريخ 9 - 2 - 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق