الثلاثاء، يونيو 29، 2010

حالة غياب جماعي

محمود ياسين
sayfye@gmail.com

لم تتمكن الحداثة الهائلة التي تجوب العالم من فعل شيء لأجل مهندس تقنيات يمني.

من يتقدم في هذه البلاد حتى بداية الألفية الثالثة، ليس مخترع البرمجيات بالطبع، ولا ماجد المذحجي وهو يحدث كل يوم فارقاً في حياة طفلٍ أو أرملة تعرض أيٌّ منهما للانتهاك.

يصدر ماجد تقارير ويتأكد كل ليلة كم أنه نزيه وفاعل، يتأكد كم أنه حقوقي، بينما يتأكد حسين الأحمر كم أنه شجاع.

يقوم الفتيان بأشياء كثيرة، يعرفون آخر رقم حصل عليه اللاعب ميسي، وآخر ملزمة أصدرها أستاذهم الجامعي.

يقترضون ويتماسكون ويظهرون كل ليلة شجاعة نادرة في مجابهة زحمة اليأس، وذلك الشعور الفولاذي القارس بأنه لا أمل، غير أن أحدهم لا يريد أن يسقط، ولا يريد أن يبكي، وآخر يقرأ الكتب ويريد أن يستجمع في أعماقه كل العظماء من بوذا إلى أوبرا وينفري، غير أن آخرين يتقدمون عليهم ويختبرون كل يوم صلابتهم الأخلاقية إزاء الحسد والضغينة.

كنت أتجول في صنعاء ويمر زملاء حسين الأحمر من أبناء المشائخ إلى جوار تعبي، فكنت أتذكر الكتب، وإلى أي مدى أنا مدرك تعبي. يلوذ أحدنا بأشيائه العميقة وضغائن اللاعدالة وكراهية النظام السياسي، وكنت أضعف وأتذكر جدي أثناء مروري بقصة عن أحد أبناء المشائخ.

وكنت أعود آخر الأمر إلى المعايير ذاتها التي يتقدم هؤلاء من خلالها، فأهتف لنفسي: كان جدي ملكاً وضرب باسمه العملة من الفضة الخالصة، وكنت أدخل يدي في جيبي فلا أجد فلساً.

لا أحقد على حسين الأحمر، هو يمارس وجوده بالطريقة التي تعلمها. وطموحه مشروع من خلال منطق العدالة الشخصي، غير أنني طموح أنا الآخر، وثمة من هو أشجع من حسين يتجول بين فرزة تعز وبوابة الجامعة، لكن وجود حسين الأحمر وشهرته يقتطعان كل دقيقة جزءاً من حق هذا الفتى الآخر في الوجود.

الصحيفة التي يحلم أن يظهر اسمه في أي من صفحاتها منشغلة بإظهار اسم حسين.. والرفقة التي يتمناها الفتى منشغلة كلها بتوفير أسباب النوم هذه الليلة بأمان، بينما يحصل حسين على عشرات المرافقين خالي البال، إلا من حمايته والتحديق إليه بإعجاب.

ليست مشكلة حسين ولا مسؤوليته هذا الاختلال وتكريس اللا أمل. وليست مسؤولية الشيخ عبدالله إنجاب ولد شجاع وطموح، وليست مسؤوليتي، في كون حسين يحضر كنموذج صارخ لغياب العدالة في معرفة بقية الشجعان.

ليس بالضرورة إيجاد مسؤول معين، والارتياح لمعرفة اسم الشخص أو الجهة المسؤولة عن حالة غياب جماعي لأكثر عقول هذا الجيل طموحاً وشجاعة. وضمن مشروع تقليدي بالغ القدم لم يكن حسين مسؤولاً عن بقائه إلى هذا اليوم.

ماذا لو أظهر هذا الشعب ولو قليلاً من الاحترام للرسامين؟ أكان حسين ليرسم لوحة بدلاً من إصدار بيان.

وماذا لو كان ماجد المذحجي من حاشد؟ أكان سيفكر في العمل في منتدى الشقائق؟.

وهل يفكر ماجد أصلاً أن ثمة وضعاً غير عادل في مسألة الحضور؟ لا أظن أحداً يحقد على حسين، لكن هناك شيئاً في حياة مغلوطة أسستها القبائل وكرست حضورها على المحصلة النهائية للحياة العامة.

حياة غائبة فيها أشياء لا تخصنا، ولا يدري أحد كيف يفهم فكرة غياب هذا الجيل ولا متاعبه الجماعية، ليحصل بالتالي على ذلك النوع من امتلاء المدرك لأسباب تعبه، وكم أنه ليس وحده من يعاني.

حتى أننا لسنا في غمرة صراع طبقي، يجعل من مسألة الحقد على حسين مسألة مفهومة وعادية.

في حالة الغياب تتحول ردات فعل المتضررين إلى أزمات أخلاقية.


المصدر أونلاين
2010-06-25

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق