الجمعة، أكتوبر 08، 2010

فقط .. أن تستقيظ في هاليفاكس

محمود ياسين

في هذا العالم أشياء مدهشة, ويحدث فيه ما ليس يشبه حياتنا: تحدث مباريات, وفضائح, ومكاسب كبيرة, ورجل يتبرع قبل أن يموت بستين مليون دولار لصالح مشروع حماية فصيلة زواحف كان وهو طفل يشعر بالسلام أثناء مرور إحداها زاحفة بين باب بيتهم وشق هائل في جدار مستشفى مهجور..
لم يعد جيداً ولا ذكياً نقد الحياة في الشرق الأوسط وإجبار القارئ على الإصغاء لمحاضرة تؤثر في سلامة مسالكه البولية . الناس محتقنون ويقرأون بشكل ملح (من الإلحاح) يقرأون ذات اللجهة لكتاب أخذوا على عاتقهم فهم روح المنطقة الكئيبة, وتفرغوا لجموعة شروح مطولة عن أسباب هذه الحياة غير المقبولة.
مع أن ثمة ما يحدث في هذا العالم من حياة جديرة بالمتابعة, لا لشيء, ولا لاستلهام وما شابه كل ما هنالك أن اقتفاء مراحل تدهور حياة "مل جبسون" لهي من من الأعمال السوية , ومل جبسون هذا هو ممثل أمريكي شهير,يحبه جمهورالسينما لأسباب لها علاقة بكونه بارعاً في أن يبدو طيباً ومرحاً على الدوام.
يعيش العالم على الفضائح. العالم الاستهلاكي الذي لا يملك الوقت الكافي لنذر الحياة لأجل المثل, وتخصيص بعض الوقت للإعجاب الحذر بديمقراطية الغرب الاستهلاكي, رغم استفادة عنصر الفسق من هذه الديمقراطية.
الأمر هنا بين نمطي حياة على كوكب واحد, تكرس فيه المعلوماتية عزلة أكثر, ولا تجعل منه قرية واحدة البتة بقدر ما تبين الحد الفاصل بين التخلف والتقدم. وتكرس هذا الحد, وتدفع المعلوماتية إلى تسليح خطيب جامع بسبب جديد وسلاح في معركته لحفر خنادق عزلة إزاء غرب.
شاهد هذا الخطيب المفترض في إحدى القنوات كم أن هذا الغرب على درجة من الغرابة؛ وهو يتابع بشغف تسجيلات لاتصال هاتفي بين ممثل وخطيبته التي قد أنجب منها, ويبدو للخطيب من صوت مل جبسون أن مل كان سكراناً!
ولا أحد هنا بصدد سرد حقيقة كم أن مل جبسون هذا رجل عظيم في غرب عظيم.
أو أن يولي أحدنا مثابرة لتبيان أهمية الاتصال التلفوني المسجل ودلالاته العميقة على أنه تعبر عن روح الشفافية المتحضرة , أو أن يخطر لي جر الأدب والفن إلى معركة مع خطيب افتراضي؛ أبين له من خلال فضيحة ممثل كم أن العالم الإنساني الممثل بالغرب على درجة من القدرة الفائقة على ممارسة الضعف المبهر والاحتفاء به ؛ إذ بدا من خلال الاتصال المسجل, أنه بطل فيلم القلب الشجاع كان ضعيفاً للغاية متردداً – ويتهتة – ويتوعد, ناهيك عن شتائم تقليدية, والغرب يقوم بمتابعة الأمر ليس كنشاط ديمقراطي ملهم, لكنه نشاط على شيء يبعث الحماسة, شئ ليس مملاً وليس ملتبساً وليس فيه كرامة وطنية ولا شخصية.
حياة فيها مشهورون قام أحدهم بكسب مئتي مليون دولار؛ بعد توقيع عقد مع ناد رياضي. وتقول التكهنات أنه على علاقة بعارضة أزياء كانت ذات يوم راهبة في دير بشمال إيطاليا, قد نشرت الصحف عن هذا الدير فضيحة كاهن, اعترافات تحرش بإحدى الراهبات, ناهيك عن الأطعمة والملابس والمحميات الطبيعية, وعدد قليل جداً من يهتم هناك لعدد الجنود الأمريكيين في العراق.
نسمع عن آخر قصة خلص الغرب إلى سردها عن ممرضة تقع في غرام جثة, وعن أبرز المدعويين لحفلة زواج تشسليسي كلنتون.
مآزق البنوك حاضرة , ومن أين يمكن كسب النقود وهي أنجع السبل في تبديدها؟!
تقاليع وخيبات ودنيا تمور بأكثر الأنشطة الإنسانية معقولية.
حياة لها علاقة بتأكيد كم أن هذا الإنسان متقلب المزاج ومتطلب ومتورط! وكم أنه ضحية مفهوم الاستهلاك وسببه! وكم أن هذه الحياة غربية إجمالاً! وكيف أن المصير الإنساني على درجة من القسوة!؟ هكذا يعمل كثير من الناس. وبالنسبة لتداول فكرة المصير الإنساني فهي واحدة من أعمال دنيا عالم لديه أدباء ليسوا نحن .. وليسوا نافذي البصيرة, وعلاقتهم بالسلطة ليست مطمئنة تماماً لعدد من مريديهم وقرائهم الشرفاء.
الشرف هناك مسألة محصلات نهائية لقدرة الإنسان على التصرف بشأن التعبير عن إنسانيته, نزاهة أن يكون المرء هو دون أن ينذر نفسه لشيء عظيم.
ها أنا قد تورطت فيما حذرت منه وهو هذا التلميح للفارق بين مفهومنا ومفهومهم للشرف, وبالتالي نحن وهم. وسرد الفوارق هذا هو أكثر عادات المتحضرين الشرق أوسطيين سوءاً.
وهي طريقة مبتذلة للتثاقف – والغرب لا يكترت لها – ونقد الذات والآخر لا يقود لشيء.
إذ لا يمكن تبيان شئ من خلال درس وتمحيص كل هذا الذي نظنه خطأ ما في طريقة عيشنا أو فهمنا للدين والسياسة . وكل ما علينا هو إزالة هذا الخطأ ونحصل على خلاصة الديمقراطية المدنية الغربية, مع إضافة ميزة أنها ستكون مدنية نظيفة وبلا شوائب.
مهمة مكرسة على نحو مقزز, انصرف لها عدد كبير من المثقفين ومنظري الأحزاب, ومن تورط ذات يوم في شعور عابر بكونه قد بدأ فعلاً في فهم أسباب تخلف الأمر.
الأمر هو في أن هناك أشياء لا سبيل لجعلها أشياء صالحة كا لحياة في الشرق الأوسط.
السبب هو أن ثمة عادات وتقاليد قد تحولت بمرور الوقت, إلى طباع ونفسيات أمم. ثمة في هذا العالم طباع تحب الحياة , طباع نهمة ومتطلبة تعلمت مع مرور الوقت تمجيد الشكل النهائي الذي ينبغي أن يبدو عليه الإنسان والدرجة التي عليه تأمينها من السعرات الحرارية, وساعات النوم, ودرجة الشبق. يسعى لتأمين ذلك القدرمن خلال الفلسفة, أو من خلال التأمل أو المغامرة والسرقة, أو من خلال انتخاب أوباما.
المهم أن هناك حياة يجب أن تعاش بمستوى معين. وما دون ذلك هو نوع من حياة أقل ناشئة عن مرض واختلال يتحول هو الآخر إلى دراسة إنسانية صرفة, تبحث في ماض قاتل متسلسل, وليس في ماضي أمة بأسرها.
تتحول اللاطبيعة إلى فنون ,وما هو غرائبي سيدفع هو الآخر إلى سبب جديد للمتابعة ,متابعة قصة قاتل نساء, ومتابعة اعترافات مراهق كان أبوه يسجنه في الخزانة .
يبحث العالم الاستهلاكي عن موارد لمتابعة حياته كلها: موارد الطاقة, وموارد الإنتاج, وموارد المتابعة من القصص والفضائح والفظائع.
كل ما هنالك أن ثمة دنيا يمكن لأحدنا أن يقوم بها في أماكن كثيرة من العالم . ليست أمريكا مثلاً هي الفردوس غير أنها الممكن.
دنيا فيها مآزق لها علاقة بالأزمة المالية, وبسوء تقدير الأمور.
لاعلاقة ما يحدث لنا بشي , هو أمر مستغلق كلية؛ ذلك أنه الحياة التي لا يقوم بها أحد تبقى أصلاً بدون أسباب وجيهة, تبقى أسيرة على الفهم لأنها ليست تجربة إنسانية طبيعة, بقدر ما هي تجربة أمة.
لقد قام "مايكل جاكسون" بإطلاق العنان لجسده المحموم بطرائق وفضائات للتعبير. خريطة نفسية تقتفي أطراف الجسد مجالاتها بحثاً عن الإنسجام؛ فانتهى مايكل إلى تلك الرقصات, وأطلق على نفسه "إرادة الطبيعة المختارة لخلق حالة من الإنسجام بين البشر". واختار هو الحق الكامل في تغيير شكله الجسدي النهائي, باحثا من خلال عمليات التغيير تلك عن النموذج النهائي لشكله المستقر في وعيه؛ وأراد إرضاء ذلك الشكل المتخيل .
صحيح أن مايكل وجد نفسه أكثر من مرة بحاجة لنفي تهمة كراهية اللون الأسود, غير أن الغرب بقي شغوفاً بمتابعة جسد مايكل وهو يفصح كل مرة عما يعتمل في روح صاحبه.
أن تحيا على حساب أكثر الطرق ملائمة في التعبير عمَّا يعتمل في داخلك, تلك أظنها عقيدة دنيا الآخر الغربي , وفقاً للتعريف المتداول.
عقيدة التجريب ليس في صحراء تأملية, وليس تجريباً في مأزق أممي. بقدر ما هو خلاصة نهائية لتجريب إنساني شخصي يومي , نزيه في مدى نزوعه للاستهلاك, ودقيق في هذه اللامبالاة إزاء تقييم الآخر لمدى صوابية أو خطأ هذا النمط من الحياة .
ليست "لامبالاة " إنها حياة لم تسمع أصلاً أن حيوات أخرى في الشرق الأوسط أو الأقصى تراقبها وتحتدم جدلاً بشأنها.
إذ لا يدرى أغلب الأمريكيين أثناء تزاحمهم على الهمبرجر, أنه الآخر بالنسبة للشرق الأوسط.
يبحثون عن تذاكر – على الدوام يبحثون عن تذاكر – ويسمعون بشكل عابر عن إرهابيين, وعن مراكز دراسات.
إنهم يعرفون لاعب السلة, والظهير الرباعي, والعارضة التي نفخت شفتيها, أكثر من معرفتهم بقادة الجيش الأمريكي, وأماكن تمركز القوات.
حتى أسامة بن لادن تأتي شهرته كلها من كونه قدم عرضاً لا يمكن نسيانه.
مجدداً ثمة ما هو غير هذا الذي نقوم به, شيء منافِِ حتى لهذا الشرح الذي أكتبه, مؤكداً أنني بهذه الطريقة لم أتجاوز الاشتغال ذاته على "نحن وهم" فهذا ما أجيد القيام به؛ أنا اعيش هنا. ربما يجدر بالمرء الاستيقاظ يوماً في مدينة هاليفاكس .. فقط أن يبدأ أحدنا يومه في هاليفاكس.

هناك تعليق واحد:

  1. عجزت عن التعبير يا محمود

    �� اطلق العنان ولا تبال، فرب كلمة اراحة البال

    ردحذف