الجمعة، أكتوبر 08، 2010

ليس لديهم صديق في صنعاء

محمود ياسين

لا أحد فيما أعرف يحب السياسيين.. الرجل الذي يدور حول نفسه في شارع العدين بإب بحثاً عن ثمن كيس قمح لا يشعر أن سياسياً في صنعاء يكترث لأمره.

لقد حصلت شعوب فقيرة على أصدقاء من هذا النوع الذي يقطن في العاصمة. ولطالما تصور الفقير الهندي أن بوسعه الاعتماد على نهرو، صديقه الذي في دلهي، والذي لم يتمكن إلى تلك اللحظة من توفير ثمن كيس القمح للفقير الهندي ذاك، غير أن نهرو صديقه على كل حال ولديه أسبابه ووقته الذي يحتاجه ليقوم بما عليه القيام به.

كان بيرون في الأرجنتين هو الصديق الأثير للضواحي، وكانت العشوائيات تمارس حياتها العشوائية وفي ذهنها بيرون الذي سيمر لا محالة.

المثقف ابن العشوائيات تلك كان على الدوام يفترض أن لدى بيرون ملفات ودراسات تخص مساندة طبقة أرجنتينية بقيت ملاذ بيرون الأخير في أعتى أزماته السياسية.

وكان هذا النوع من العلاقات المضمرة بين الطبقات المتضررة وأصدقائهم المحترمين في العواصم يمثل ملاذاً لفكرة الأمل، الأمل على حساب المثالية وانتظار الأب المخلّص على غرار غاندي، أو الأمل المعوّل على فكرة أن جماعة سياسية بعينها ستجعل الأمور أفضل، ذلك النوع من جماعات خرجت من أحياء الطبقة الوسطى ولديها أحلام وتطورت إلى واقعية سياسية ربَّما لم تعد حالمة تماماً، غير أن لديها منطقاً وتاريخاً مقنعاً تماماً بكونها جماعة الشعب.. وعادة ما يبرز من هذه الجماعات أشخاص بعينهم يخففون بتصريحاتهم ونمط عيشهم من ذلك النوع من مجابهة الفقير لفقره وحيداً.

هنا تتغول الظروف كل يوم، والمثال يتراجع أو أنه قد تلاشى على وجه الدقة.

لقد أحب الناس الحمدي، وكانوا يعرفون أن صديقهم في صنعاء سيدفع ثمن انحيازه إليهم، وكان رحليه رومانسياً بعد أن منح كل شخص القدر الكافي من صداقته.

سائق الشاحنة الذي حال الحمدي بينه وبين عساكر نقطة السحول. وذلك الذي منحه إبراهيم قصاصاً عادلاً من شيخ القرية. وكانت عجوز في ريف إب قد هددت أبناءها ذات يوم باستدعاء إبراهيم من صنعاء ليعيدهم إلى جادة الصواب، بشأن العنف الذي يمارسونه أثناء اقتسام الميراث، هددتهم باستدعاء صديق العائلة.

أظن المشكلة الآن في عزوف ساسة المعارضة تحديداً عن حديث الود الرومانسي السياسي، الذي يبدو أحدهم من خلاله صديقاً للمتعبين والأرامل.

ذلك النوع من علاقة أثيرة تنشأ من خلال تكريس هذا السياسي لمفردات تفصح عن انحيازه لكل ما هو يتيم.

لطالما ردد أحدهم أهمية تحويل الآية القرآنية (أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم) إلى برنامج سياسي غير أنه لم يهتبل أي فرصة لمغازلة حالة اليتم ولم يحاول تكريس هذا المعنى.

المعنى المؤثر الذي يتأتى من خلال مفردات، وحالة خطابية تستدعي أمل التغيير على عاتق التعب والظلم.

قد أعرف شخصياً أولويات بعض ساسة المشترك، تلك الأولويات الإنسانية، غير أن الأمر هنا في إيجاد حالة تواصل إنساني يجعل من أمر توجه أرملة من عتمة إلى حيث يقطن معارض في صنعاء مسألة سفر ومتاعب طريق إلى حيث يقطن البطل.

الفكرة أن المناضل السياسي الآن منهك كلية وهو قد تجاوز أصلاً زمن التنظير والحماسة إلى مرحلة أكثر ما فيها هو هذا الشعور باللاجدوى.

العلاقة ليست الفاترة بين السياسي والمتعبين الذين لم يعد أحدهم يعول على أي فكرة حالمة هنا أو هناك.. لكنه القنوط.. هذا النوع من الصداقات هو ما يجعل خريج معهد متوسط يعتبر سياسي ما مجرد رجل خرج من لحاف غاندي، بعد أن يكون هذا الفتى قد قرأ سيرة حياة غاندي.

أنا هنا بصدد المثال المعقول، وإعطاء أمل بأن للمتعبين أصدقاءهم في صنعاء.. يمكنك العودة إلى حملة أوباما في أعتى تجربة ديمقراطية وحيث لا شيء أكثر من واقعية الأرقام وصراحة الرأسمالية. ستجد إلى أي مدى كان لفكرة البطل جذورها، وكم أنه من المهم للغاية فكرة الانحياز المؤثر. فكرة إعطاء أمل.

المصدر أونلاين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق