الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

علِّي جرى

محمود ياسين


كشفت مجابهات الإصلاحيين مع أصالة نصري مؤخراً عن المأزق التنظيمي لحزب لا يجد مكاناً مناسباً يخبئ فيه جناحه السلفي.

يختار هؤلاء غالباً الوظائف التاريخية لجماعة بودها لو تتحول إلى حزب.

وهكذا يبقى أمر مستقبل الإصلاح القائم على فكرة الانفتاح وتغيير الخطاب من البحث عن سبل لإدخال الناس إلى الجنة، إلى إثبات طريقة ملائمة للعيش، مسألة طموحات قيادة لم تقرر بعد ضم الموسيقى والغناء إلى قائمة الأمور المزمع الانفتاح عليها.

يدرك فؤاد دحابة أن قادة التنظيم يمثلون حاجة السلفية للدبلوماسية.. إنهم سفراء السلفية بلا سراويل طويلة، وأحياناً بربطات عنق.

ومع كل مجابهة من هذا القبيل يفكر الناس في احتمال وصول الإصلاحيين إلى السلطة.. كيف سيكون الأمر مع الموسيقى والأدب؟ وهل سيقبل التلفزيون الإصلاحي بث إعلانات الصابون؟

ينكشف الإصلاح دائماً في وظائف الماضي، وهذا النوع من المجابهات مع مغنين ورسامين وكل ما يهدد الحياء والعقيدة ضمن مشروع الدفاع عن الله.

أصالة لم تكترث لفؤاد دحابة، وقررت حضور حفلة عدن، معلنة أن الأمر "سياسي"، متخلية عن مقارعة الإصلاح الحجة بالحجة، إذ لم يعد الفنانون يؤكدون بطريقة أو بأخرى تمسكهم بآداب الإسلام. الأمر سياسي هنا فعلاً كون السلفيين لا ينطلقون في مجابهة أصالة نصري من خوفهم على المجتمع المسلم، بقدر ما هو الخوف على شخصية الجماعة وهويتها. شكل من التمرين على ما يفترض به الوظيفة التاريخية... أظن الأمر لا يخلو أيضاً من لفت عناية الجالسين مع شخصيات علمانية مثل ياسين سعيد نعمان والعتواني، إلى أنه ليس بوسعهم المضي حتى النهاية، وعلى هذا النحو الذي يستمد فيه الإصلاح قيادته للمشترك من تحويل السفليين إلى ماضٍ يتفهم علمانيو المشترك مخاطر التخلص منه.. شيء من قبيل التواطؤ على نسيان الماضي- نسيان التكفير وتهمة الرجعية.

يمكنك فعلاً نسيان فؤاد دحابة، غير أنه سيجد طريقة ملائمة ليذكرك، مثل أي أم تدرك كم أنك تشبهها ولا تستطيع الحياة بدونها.. أظن بعض الاشتراكيين فكروا هكذا: ينبغي تفهم حاجة قيادة الإصلاح للوقت للتخلص من جيوب الفكر الرجعي المتخلف. إذ يؤمن مثقفو اليسار العاملون في (التداول السلمي) بكون الإصلاح يحقق تقدماً ملموساً في ما يخص أفكار المدنية والقبول بالآخر. أنا أيضاً أؤمن بهذا. ولسنا هنا في التحريض على حزب لعب دوراً جيداً في المران العام على الديمقراطية، وقبل بمشاركة العلمانيين، ويبذل مؤخراً جهوداً مضنية وصادقة لتطوير خطابه وأداته.

غير أن ثمة معضلات لا علاقة لها بالطموح ولا بالنوايا الحسنة. إذ لا يسع أحد التخلص من جذره.

لا يوجد حل في قضية معقدة كالإصلاح -الآن على الأقل.. ما من حل إزاء فكرة تنظيم يصل إلى كل متر مربع في البلاد، ولا يدري المجتمع كيف يستخدم هذه القوة المنظمة. وما من طريقة آمنة وملائمة لدى قيادة الحزب للانتقال الاستراتيجي. ثم إن الخصم الرسمي منشغل وأقل كفاءة من استخدام معضلات الحزب في التخلص منه.

شيء من الأمان التنظيمي المخادع يوجه طاقة الحزب صوب تكتيكات أقل كلفة من الانتقال الاستراتيجي.

وهكذا يتسرب دحابة من بطالة الاستراتيجية المؤجلة- مستفيداً من الجو العام للبحث عن عمل ومن فكرة أنه لم يقرر أحد بعد ما إن كان هذا الانتقال يعني التخلص من السلفيين أو إيجاد وظيفة جديدة لهم.

محمد قحطان سيتصل بسلفيين مؤكداً أن أصالة لا ترقص رقصاً خليعاً. وستغني أصالة في عدن، ولن يحتفي أحد بعودة الشعب إلى الفن، أو أن مثقفاً سيكتب عن استرداد الأمن لبذور سبعينيات الغناء والسينما وأخلاق المدنية. ستكون ليلة جيدة.. أظنها ستغني "علِّي جرى".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق