محمود ياسين
بودي لو أساند في الوحدة الوطنية ومظلوم الجنوب في آن واحد. هذا متعذر أثناء هذا الغضب على الأقل...
كيف تراجع مظلوماً يحتدم؟ وكيف تقبل بفكرة انهيار الدولة...
لطالما أحببنا فكرة أن الإنسان قبل الدولة- ليبراليات مدهشة تناهض مظالم الثوابت..
غير أن هذا ثمن فادح بالفعل. ذلك أن انفصال الجنوب سيخنقنا تماماً..
ماذا يمكنا للشمال فعله؟ لا موارد ولا حتى هوية وطنية إذا ما تمكن الجنوبيون من إنفاذ هذا الأمر إلى نهايته...
إنهم مستاؤون للغاية ولا وقت لديهم للتفكير في مظلومي شماليين..
لقد تمكنت مجموعة قناعات مسبقة من تكوين صورة واحدة عن شماليين استضعفوهم. يعتقدوننا جميعاً أركان حرب دهس العند متعجلاً لنهب بيت شيبه في المعلا خسر ابنه الوحيد في معركة صبر- أو هكذا أظن الأمر.
لا يمكن إقناعهم بأننا نحب ديستويفسكي، وأن أحدنا إنما نزل عدن للبحث عن بيت رامبو من قبيل رثاء النهايات ضمن فكرة التضامن الإنساني تجاه الاغتراب. شيء هكذا من قبيل لعب دور المثقف المأساوي يبحث في عدن عن إجابات لأسئلة وليس عن أرضية...
أذكر أن مثقفاً حضرمياً صعق أثناء اكتشافه أنني افتتحت يومي بأغنية لفيروز في أحد فنادق المكلا. كنت أيامها أعد لاستطلاع صحفي لم يخرج عن الصورة التي فرضها الحضارم على الاستطلاع كأي مدنيين لا يرقى الشك لمستوى تحضرهم. أدهشته رقة شمالي يحب فيروز. لقد تمكن الغاضبون من اختيار معركة للجميع، بمن فيهم أولئك الذين قرأوا كتباً كثيرة وفكروا بجهد شديد أن ثمة شماليين مظلومين يحبون موسيقى باخ.
لا تبدو فكرة مناشدة إنسانية للإخوة الجنوبيين عملاً ذكياً الآن، إذ كيف تناشد غاضباً أعزل؟ كيف تقنعه بأن هذا ليس صداماً بينه وبين ظالمه بقدر ما هو صدام بين مستويين للظلم- على أننا المستوى الأقل مظلومين عاديين يناشدون مظلومين للغاية الإبقاء على هذا المستوى الضئيل من الحياة.
أذكر أننا فرحنا في القرية بسقوط العند. فعلنا ذلك كشماليين.. قبلها كنا قد تضامنا تماماً مع كلمات علي سالم البيض- وفعلنا ذلك كشوافع-.
مشكلة هذه البلاد هي هذا المضمر من احتقانات المناطقية وحكايا النخيط.. المسكوت عنه من انحرافات سياسة المراضاة منذ مؤتمر حرض وحتى نتائج حرب 94.
كنت لأقول إن 20 قروياً لا يعد بوسعهم العمل في المكلا، لهو عقاب قاس للغاية. ذلك أنهم احتفوا بسقوط العند معتقدين أن الشرعية شمالية- أي الحق...
تفسيران متناقضان لشرعية لم ترتب وضع أحد. وهذا ما جعل الأمر ملتبساً إلى هذه الدرجة.
لا أظن هذا سيقربنا من بعض. وأن فتور علاقة ريف إب بالشرعية سيكون كافياً لاستثناء أحد من أنشوطة تعد بعناية فائقة لخنق البلاد...
حتى نعمان قايد سيف لن يتذكر أحاديثنا الودية واستخلاصاتنا الروائية... النابهة أثناء تطوعه في (حرب الاسترداد). فغالباً ما يتفرغ المنتقم للتفكير في أعدائه فحسب...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق