الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

بسبب بنطلون ناقص

محمود ياسين

أرى الناس يتدافعون فأقول يا الله كم أن الحياة قاسية- هذا ألم كثير- أكثر من قدرة ضحايا مجابهات العشر الأواخر...

صراع من نذر عيد الأطفال ومع الكرامة ابتداءً... الكرامة التي تتحول إلى تهديد يقوض قدرة الأب على الفعل فيفكر ويتدافع مع الآخرين الذين لا يراهم في الطريق إلى غير شارع جمال- يهرول إلى ما يظنه سوقاً شعبياً متفهماً. وعلى الدوام يحاول اللحاق بشيء سيفوت حتماً..

هذا ليس عادلاً: أن يهزم اليمني ويتم تقويضه بهذه الطريقة فليس عادلاً البتة... إنه يجابه العشر الأواخر أعزل، ويتناول سحوره متضوراً للغاية كأي إنسان مكشوف تماماً...

لا شيء يحمي أبو العيال من العيال. وما من شيء يفرع بينه وبين الرجولة التي لا تزال متطلبة إلى الآن.

إنها غير متفهمة كأي متباهٍ لعين يتمسك بمواقعه حد الهلاك. حتى إن مفهوماً عنيفاً كهذا لم يتطور ولم يغير شيئاً من طبائعه أو شروطه مع تحولات السوق ولا مع اختلاف وتعاقب الأيام..

تمسي أخلاق المروءة في رمضان أكثر ضراوة في وضع يتطلب قدراً كبيراً من المرونة.

يمكن شرح الأمر هكذا- في الماضي كان الناس يعتبرون الزكاة عيباً، ويتعرض التاجر لإحراجات وحالات رفض لا تخلو من تسامح العزيز.. العزيز بلا جهد يذكر. المتصالح مع رجولته برعاية جيبه.

فرغ جيبه فتحولت تلك المثل إلى كائن مستفز عدواني كأي خلق وجد نفسه بلا ضمانات..

أصبحوا اليوم يقبلون تلك النقود بقدر هائل من حقد العاجز أثناء إخفاق الحياة في الوصول إلى تسوية بين الإنسان وأخلاقه... ثمة شرخ في الشخصية اليمنية تراكم على مدى عقدين من الحياة بلا ضمانات. ومن النوم المتتالي في انتظار غدٍ لا يكف عن كونه تهديداً... أي ليلة سيمضي هذا الرجل الذي وبخته زوجته في الباص. كشفت آخر ملاذاته أمام بقية الركاب بسبب بنطلون ناقص ذهب ثمنه في ربطة قات..

أين سيذهب موقف كهذا وفي أي قاع من روح هذا الرجل سيستقر حادث الباص.. وأي معنى للمضاجعة في ليلةٍ كهذا.

يقال إن التاريخ بحث عن الكرامة. وإن ما حدث كله محاولة لتجنب إساءةٍ ما على أن الإنسانية أنجزت واحتربت حتى لا تهان في باص ما. وعلى أن تاريخ هذا الرجل سيتخذ مساراً جديداً منذ الليلة- أظنه سيكون تاريخ صراع الإنسان ومذلاته- إذ كان واضحاً عدم اعتياد الرجل موقفاً كهذا..

نظراته الهاربة ورعشة يده على مقبض الجنبية والتهديد الحزين برجم حذاء صيني رخيص من نافذة الباص. كريم جديد سيسقط.

لم يعد الأمر في لوم امرأةٍ كان عليها التحلي بالصبر حتى البيت. وكيف أنه ما كان عليها ذكر القات أو البنطلون الناقص..

إذ يتجاوز الوضع ما ينبغي وما لا ينبغي- هكذا يفعل الفقراء عادةً.. ويكتسبون مع الوقت أساليب للتعامل مع بعضهم- أساليب لا تلائمهم بقدر ما تلائم الوقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق