الأربعاء، نوفمبر 03، 2010

وكأنه كان يدافع عن بضاعة علي عبدالله صالح

محمود ياسين

تُرى ما الملابس التي كان يرتديها التاجر الشمالي في المكلا عندما اعتدى عليه غاضبو حضرموت. حتى ولو دافع عن بضاعته مرتدياً بنطلون جينز وفانيلا تي شيرت، إلا أنهم ضربوا شمالياً وكأنه يدافع عن بضاعة علي عبدالله صالح، وتصرفوا بوعي ثوري كامل، بمجاميع مثقفين مضطرين لاستعمال العنف، ممتلئين بشخصية المنشق المتأبط مسودة وثيقة إعلان حقوق الإنسان.

سمعت أن التاجر ذاك هددهم بكلاشنكوف أطلق منه طلقات تحذيرية، وكان في ما يبدو مطمئناً لمدنية الحضارم، وتحاشيهم للدم، مؤدياً بذلك دوره في إنجاز صورة مغلوطة أصلاً. صورة تم تركيبها من مجموعة موديلات مسبقة بشماليين قليلي تعليم، وعلى درجة عالية من الجشع والاستعداد للقتل، إزاء مدنيين مظلومين يتمتعون بميزة جلاء تفكيرهم، إذ لا أكثر يقظة من السائرين في طريق الاستقلال. وبالمقابل؛ لا يدري الشماليون في الجنوب شيئاً عن جريمتهم التي يعاقبون بسببها، ولا يمكنهم التفكير في كونهم من مواطني دولة استعمارية، ولا اعتبار الجنوبيين أعداء للوطن؛ فعلام يقاتلون إذن؟ إن تاجر المكلا من آنس، وهو مسالم، وحذاقته كلها تدور بين البيع والشراء، وقد حضرت أثاء تعرضه للضرب وإتلاف بضاعته أشياء كثيرة عليه الدفاع عنها إلا بضاعته. والحضارم منذ الوحدة، وقبل هذا الحراك بزمن طويل، لم يعتمدوا شمالياً واحداً في تلك التجارة، ولم يعترفوا بأحد ضمن إصرارهم على لعب دور شخصية المنهوب. على أن هؤلاء الذين فتحوا محلات في المكلا، هم في الأخير يسعون لنهب مهنة الحضارم. أين يذهب الشمالي إذن؟ وما الذي سيقوم به في الأيام القادمة؟ لا الانضمام للجيش مقنع، ولا الانضمام للمؤتمر أو الإصلاح سيمكن أحداً من المشاركة في العنف القادم بقناعة. لا يسع عاثري الحظ سوى الرجاء، إذ ربما يتعقل المنفعلون ويتركون لهؤلاء فرصة العيش بدون كلام كبير، ودفاع عن منجزات تاريخية وما شابه.

وعاثرو الحظ هم أصلا لم يعودوا صالحين لأن يكونوا شماليين، ففي الأيام القادمة سيحتكر المدافعون عن الوحدة كل مزايا وموارد الشمال.

المشكلة أن الجميع سيشاركون بشخصيات غير شخصياتهم الحقيقية على غرار الباعة المتجولين الذين سيُلاحقون في الدكة وكأنهم كبار موظفي شركة الهند الشرقية، والإصلاح سيحاول أشياء كثيرة دون أن يجد فرصة لشخصيته الحقيقية.

ما الذي تعني فكرة "الإسلام هو الحل" في معضلة كهذه؟ وكيف سيتصرف الرئيس بشخصيته الجريئة ومقولة الصدر الواسع؟ لقد منح طرفا هذه الحالة الغريبة بعضهما هوية مؤقتة استُخرجت على عجل يفي بالغرض، إذ إن إشهار التاجر الشمالي للكلاشينكوف قد جعل من المعتدين مجموعة مدنيين، وهم بوعيهم الزائف قد منحوه تلك الهوية الطائعة لمغتصب شمالي.

الجنوب العربي في الأيام القادمة سيستخدم تشكيلة من بيانات الجبهة القومية، وقصور السلاطين، وما تبقى من مسدسات كبار ضباط الإنجليز، والمصلين في جامع البيحاني، في وجه الشطر الآخر المتورط تماماً. حتى حسن باعوم سيوجه بملاحقة الشماليين على أنهم محتلون، وهو ممتلئ بشخصية مناضل في جبال ردفان عام 1965.


المقالة نُشرت بتاريخ سابق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق