الأحد، نوفمبر 24، 2013

أيام المليشيات


محمود ياسين

لا أريد لمزاجي الرضوخ لمزاج التوحش العام والمتوجس إبان صعود الجماعات المسلحة في البلاد. يخطر لأحدنا التفاكه والتفكير في روعة جبن العدين بينما يدرك وهو في الطريق إلى وادي عنّة أن السلفيين في دماج قد تحولوا إلى جماعة مسلحة، ولن يضعوا السلاح لاحقاً ويمكنك استعمال هذا الإحصاء للجماعات المسلحة دون أن تكون بحاجة للتشاؤم الوطني، فهم قد أصبحوا أمراً واقعاً بدءاً بجماعات مسلحة لم تجد أمامها دولة فتم مقاومتها بمليشيات جديدة على غرار اللجان الشعبية التي قاومت القاعدة في أبين وتحولت الآن لكيان مسلح شبه مستقل.

تتجول في جبال بلادك ذهنياً فترى أفواه البنادق وأمراء الحرب يمتدون على بؤر التوتر الضارب في جذر التاريخ المستحدث الطموح، وتفكر وأنت تقضم أول قطعة من صلصة جبن بلدي أن عودتك إلى صنعاء ستكون لأكبر تجمع مليشياوي وليست لعاصمة دولة كان يفترض بها التعبير عن وجودها بالانتخابات والإصلاحات الدستورية، وتمر من أمام البرلمان وبوابة الرئاسة وتزور صديقك في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي لتخبره أن البيان الأخير مهم وما شابه. لكنك ستعود لمدينة متوترة بمجاميع ومليشيات هي قيد التجهيز، إذ لا أستبعد تكوين قوة خاصة بالرئيس السابق ضد خصومه، وعلي محسن لديه ما يكفي لخمس مليشيات قد يجمعها يوماً في ملاذ واحد لمستقبله. وهادي هو الآخر يعتمد على بعض تكوينات الجيش في ما يشبه جماعة شخصية لحماية وجوده في معسكر الأعداء.

الحراك الجنوبي أو بعض تكويناته قد تلجأ للتعبير المسلح عن وجودها أثناء موت الأحزاب وعندما تصبح زيارتك لمقر اللجنة المركزية بهدف إجراء مقابلة صحفية مع أنيس حسن يحيى تحاول أنت إنعاش ذاكرته ليحدثك عن أيام ما كان هناك حزب اشتراكي وفي تلك القاعة كنا نجتمع وفي ذاك الممر روينا لبعضنا نكتة جلبناها معنا من سبعينيات عدن..

ربما أنه لا شأن للجبن العديني بصعود الجماعات واضمحلال ذاكرة الحزبية وموت كلمتها مقابل ما يصدر من أفواه البنادق، لكن الوجدان المشتت بين أكثر من مهمة وتعبير وجودي. تمزج نهمك المستميت للحياة بالهم الثقيل، وأنت حينما حدقت تجد صورة شهيد، وقريباً منه على ذات الجدار ثمة شعار يؤكد أن صاحب الصورة قاتل، وهكذا تتبادل انفعالات الوطن تعبيراً وجودياً مسلحاً مندفعاً بعمى، وأنت منهمك في الحث. حث روحك على البقاء مبتسمة تقاوم نكهة البارود بالمرح واستلذاذ الماء والرحلات والتغابي.

ربما يكون أحدنا نذير شؤم من وجهة نظر رسمية لم تعد متوفرة إلا في بعض بيانات تصدر عن الرئاسة وتذكرنا أن ثمة ما هو رسمي لا يزال يعمل والباقي مجرد جماعات.

أحاديث السياسة هي الأخرى أصبحت غير سياسية من فرط ما دخلت ضرورات الجماعات إلى معدة الأحزاب وقلصت ملامحها، وكأنك بدلاً من قراءة بيان سياسي تجد مذكرة تفسيرية لمطالب الجماعات المسلحة الصاعدة.

ظننت هكذا وبتفاؤل في بداية المقالة سأنجح في سرد كوارثنا بمرح متخفف متعال على الكوارث. هكذا شيء يشبه الضحك من شر البلية لكن وفي وضعية مليشياوية قليل الفعل يمكنك الانتشاء بالموسيقى والتخفيف من هول هذه الفكرة بحسن الظن في اليمنيين، وكيف أننا مهما تسلحنا لن نتقاتل إلى النهاية...


أفكار طيبة القلب حتى لا يتوقف قلبك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق