الجمعة، مارس 28، 2014

هذا ليس عدلاً


محمود ياسين

الآن يمضي المحظوظون أيامهم السعيدة في صنعاء، على حساب خيبات الربيع العربي في مصر وسوريا، إذ لا أحد يشترط الآن وصول حلمه إلى وجهته في صنعاء، وهو قد بنى هذا الحلم أصلا على محاكاة حالم آخر تحول في مصر لدراما مزيج من الفظاظة والابتذال، وحيث يصل إلى مسامع ربيعك أن ربيعيا ما أكل قلب جندي في ضواحي دمشق، يمسي الخراب الذي يرتجله باسندوة في غرفة المعيشة، مجرد شيء يخصه.

لا أكثر حظا من ساسة صعدوا على عاتق منصة تاريخية فشلت لاحقا، وأعفتهم من أي التزام أخلاقي، ناهيك عن انصراف من شيدوا المنصة لليأس في خيمة قريبة منها، وتقليب الأيدي على لا شيء.

كان أحمد عبداللطيف بإب يمر قريبا مني، فأحس لفحة ديناصور مر مضمرا وضع قوته الهائلة بتصرف تحول عام يقدم فيه هذا الكائن وجوده كله قربانا لهذا التحول. الآن هو يمضغ القات بإيماءات من يرجو حسن الخاتمة، وأوشكت في المرة الأخيرة التي جلسنا فيها معا في بيتهم بإب، أن أجلس جواره لأطحن له القات. أحمد مثقف مميز، ولا يزال يضمر شيئا، غير أن هذه الصورة هي ما التقطها مزاجي المتلمس في أنقاض الثورة، بحثا عن خفقان.

يردد أغلب من أصادفهم ممن كانوا منتشين ربيعيا قبل عامين: تقول كيف؟ لا أحد يدري كيف، لكنها وقعت على الرؤوس مثل إخفاق جماعي تقلل من مأساويته وأثره المخزي عدالته الجماعية في توزيع الفشل على الكل، مثلما هو الحال دائما عندما انتاب الحماس والعمى الكل.

هي ذاتها المعدة التي تدفعنا دوما للتدخل بعد فوات الأوان.

كتبت كثيرا عن أنه ما فات شيء بعد، وها أنا أدافع عن حقي في فوات أوان وضع حد للجماعات القبلية الدينية والعسكر منذ رأيناهم على المنصة.

فتيان كان لديهم حلم، فنصبت الجماعات المثار عليها منصة بينهم، وقامت تلقي الخطاب المبتذل، وتشير بأصابعها جهة الزحف، وجهة من يسقط أولا وثانيا. وهكذا وبفجاجة التاريخ ثاروا بطريقتهم، وبعدها تركوا للفتيان أرضية الثورة ينامون فيها إلى الظهيرة، وبقيت ترسل لبعضهم من فتات نقود أمير قطر وكدم علي محسن.

والمحصلة رئيس لا تدري من أين تمسك به، فهو الرجل الأكثر ملاسة من أي التزام، والأكثر تعذرا على التعريف، وآخر اسمه باسندوة يتعامل مع الثوار كأنهم عياله العصاة، لا يتفهمون متاعب الشيخوخة، وأمست كل حاجة لنا عند باسندوة، كأنها نوع من قلة الأدب، وهو إن راقبت إيماءاته ستلحظ هذا المزاج الشيخوخي المتعجرف.

مشكلة عبد ربه أنه يعمل بمنهج النوايا والإضمار، ولا يفصح عن توجه من أي نوع، ولا تدري ما الذي يسعى إليه على وجه التحديد. وها نحن ننتظر فقط، وقد أعيانا هذا الرجل برئاسته الريبية، وكأنه قد أعطى نفسه الحق في التكتم على أمر يخصه وحده، ويسعى لقضاء حاجته الشخصية جدا مستعينا بالكتمان.

هل يمكنك إدراك ما إن كان هادي يؤسس لديكتاتورية جديدة، أم يسعى لضرب مراكز القوى، أم أنه يعمل وفقا لغرض جنوبي أم وحدوي خالص؟ لا يمكنك تحديد خيارات نوع من الرجال المرجئين لكل شيء، وهادي هو التجسيد الأمثل لمنهج المواربة ومغافلة الجميع، لا لهدف استراتيجي، ولكن فحسب لأن هذا المنهج يبقيه آمنا طوال الوقت الذي يحتاجه، وأظنه يشبه طابخ البطاط الفاسد، يلقي بالكل على الجمر، ويلتقط ما كشفت الجمر عن صلاحيته للالتهام، ويلتقط ما نضج.


الباقي للجماعات، حركة حوثية صاعدة، صعدت معها جذر التكوين المناقض لها داخل الإصلاح، لتستعيد جماعة الإخوان رائحتها على عاتق استظهار النقائض المتصارعة لجوهر بعضها البعض، وكأننا ثرنا فحسب لنرتد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق